طيبة وشبه العطر به ليوهم أنه أصل في الطيب وأحق به منه وكذا قول الآخر .
( كأن انتضاء البدر من تحت غيمه ... نجاء من البأساء بعد وقوع ) .
فإنه لما رأى الخلاص من شدة يشبه بخروج البدر من تحت الغيم بانحساره عنه قلب التشبيه ليرى أن صورة النجاء من البأساء لكونها مطلوبة فوق كل مطلوب أعرف من صورة انتضاء البدر من تحت غيمه وإذا علم أن وجه الشبه هو ما يشترك فيه الطرفان علم فساد جعله في قول القائل النحو في الكلام كالملح في الطعام كون القليل مصلحا والكثير مفسدا لأن القلة والكثرة إنما يتصور جريانهما في الملح وذلك بأن يجعل منه في الطعام القدر المصلح أو أكثر منه دون النحو فإنه إذا كان من حكمه رفع الفاعل ونصب المفعول مثلا فإن وجد ذلك في الكلام فقد حصل النحو فيه وانتفى الفساد عنه وصار منتفعا به في فهم المراد منه وإلا لم يحصل وكان فاسدا لا ينتفع به فالوجه فيه هو كون الاستعمال مصلحا والإهمال مفسدا لاشتراكهما في ذلك ومما يتصل بهذا ما حكي أن ابن شرف القيرواني أنشد ابن رشيق قوله .
( غيري جنى وأنا المعاقب فيكم ... فكأنني سبابة المتندم ) .
وقال له هل سمعت هذا المعنى فقال ابن رشيق سمعته وأخذته أنت وأفسدته أما الأخذ فمن النابغة الذبياني حيث يقول .
( خلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وهل يأثمن ذو إمة وهو طائع ) .
( لكلفتني ذنب امرىء وتركته ... كذا العر يكوي غيره وهو راتع )