من عظم شأنها واتقى على حرمها وأكثر الطواف بها وإنما يفعل ذلك من شم رائحة الكعبة ونظر إليها بعين الصحة لا بعين السقم من قلب لا سقم فيه من شهوات النفس وإرادات الهوى فنظر بعين ذلك القلب إلى بهاء الكعبة وإلى ذلك الشيء الذي به صارت الكعبة كعبة لا إلى تلك الأحجار لأنها قد كانت كعبة ولا أحجار وكانت الملائكة والأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين تحجها فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام ولا أحجار ثمة .
فأوفر الناس حظا من خزانة الله التي في قلب المؤمن من عظم شأنها واتقى على صدره وأكثر الطواف حول الخزانة حتى يدر عليه ولي الخزانة من الكنوز كما يدر الضرع على حالبه من اللبن فإن البقرة والشاة تدر من ضرعها على ولدهما لترضعهما بالرأفة والرحمة التي وضعت فيها ولولا تلك الرحمة لولدها ما در لبنها .
ألا ترى أن الحالب يقدم عند الحلب ولدها إليها أولا حتى ترسل اللبن ثم يفطم ولدها عنها ويحلبها ولو مات ولدها مثل لها مثال ولدها بأن يحشى جلد ولدها تبنا ويوضع بين يديها لتنخدع بذلك فتدر لبنها .
فأراك هذا رب البقرة من خلقه وعرفك أن الذي تصيب من عندي فتدر عليك رحمتي