كان اليوم الثالث دفعنا إلى نسوة فمال إليهن فوجدنا الرجال خلوفا وإذا قدر لبأ وقد جهدت جوعا وعطشا فلما رأيت القدر اقتحمت عن بعيري وتركتهم جانبا ثم أدخلت رأسي في القدر ما يثنيني حرها حتى رويت فذهبت أخرج رأسي من القدر فضاقت علي وإذا هي على رأسي قلنسوة فضحكن مني وغسلن ما أصابني وأتي جميل بقرى فوالله ما التفت إليه فبينا هو يحدثهن إذا رواعي الابل وقد كان السلطان أحل لهم دمه إن وجدوه في بلادهم وجاء الناس فقلن ويحك انج وتقدم فو الله ما أكبرهم ذلك الاكبار فإذا بهم يرمونه ويطردونه فإذا غشوه قاتلهم ورمى فيهم وقام بي جملي فقال لي يسر لنفسك مركبا خلفي فأردفني خلفه لا والله ما انكسر ولا انحل عن فرصته حتى رجع إلى أهله وقد سار ست ليال وستة أيام وما التفت إلى طعام وقال في ذلك .
( إنّ المنازلَ هَيجَتْ أطرابي ... واسْتَعْجمتَ آياتُها بجوابي ) وهي قصيدة طويلة .
وقال أيضا .
( وأحسنُ أيامي وأبهجُ عيشَتي ... إذا هِيجَ بي يَوْماً وهُنَّ قُعُودُ ) قال فقال ابن عائشة أفر أغني لكم ذلك فقلنا بلى والله فاندفع فغناه فما سمع السامعون شيئا أحسن من ذلك وبقي أصحابنا يتعجبون من الحديث وحسنه والغناء وطيبه فقال له أصحابنا يا أبا جعفر إنا مستأذنوك فإن أذنت لنا سألناك وإن كرهت تركناك فقال سلوا فقالوا نحب أن تغنينا في مجلسنا هذا ما نشطت هذا الصوت فقط فقال لهم نعم ونعمة عين وكرامة فما زلنا في غاية السرور حتى انقضى المجلس