ثم أرسل إلى علقمة سرا لا يعلم به عامر فأتاه فقال يا علقمة والله إن كنت لأحسب فيك خيرا وأن لك رأيا وما حسبتك هذه الأيام إلا لتنصرف عن صاحبك أتفاخر رجلا هو ابن عمك في النسب وأبوه أبوك وهو مع هذا أعظم قومك غناء وأحمدهم لقاء فما الذي أنت به خير منه عشرا علقمة أنشدك الله والرحم ألا تنفر علي عامرا اجزز ناصيتي واحتكم في مالي وإن كنت لا بد أن تفعل فسو بيني وبينه فقال انصرف فسوف أرى رأيي فخرج وهو لا يشك أنه سيفضل عليه عامرا .
قال أبي وسمعت أن هرما قال لعامر حين دعاه يا عامر كيف تفاضل علقمة فقال عامر ولم يا هرم قال لأنه أنجل منك عينا في النساء وأكثر منك نفيرا عند ثورة الدعاء قال عامر هل غير هذا قال نعم هو أكثر منك نائلا في الثراء وأعظم منك حقيقة عند الدعاء ثم قال لعلقمة كيف تفاضل عامرا قال ولم يا هرم قال هو أنفذ منك لسانا وأمضى منك سنانا قال علقمة فهل غير هذا قال نعم هو أقتل منك للكماة وأفك منك للعناة .
قال ثم إن هرما أرسل إلى بنيه وبني أبيه إني قائل غدا بين هذين الرجلين مقالة فإذا فعلت فليطرد بعضكم عشر جزائر فلينحرها عن علقمة ويطرد بعضكم عشر جزائر فلينحرها عن عامر وفرقوا بين الناس لا تكون لهم جماعة .
وأصبح هرم فجلس مجلسه وأقبل الناس وأقبل علقمة وعامر حتى جلسا فقام لبيد فقال .
( يا هرَم ابنَ الأكرمين مَنصِبا ... إنك قد وُلِّيتَ حُكما مُعْجِبا ) .
( فاحكم وصوِّب رأس من تصوّبا ... إن الذي يعلو علينا تُرتُبا )