حدثني عمي إسماعيل بن أبي محمد قال قال الواقدي حدثني محمد بن صالح قال كان حسان بن ثابت يغدو على جبلة بن الأيهم سنة ويقيم سنة في أهله فقال لو وفدت على الحارث بن أبي شمر الغساني فإن له قرابة ورحماً بصاحبي وهو أبذل الناس للمعروف وقد يئس مني أن أفد عليه لما يعرف من انقطاعي إلى جبلة .
قال فخرجت في السنة التي كنت أقيم فيها بالمدينة حتى قدمت على الحارث وقد هيأت له مديحاً فقال لي حاجبه وكان لي ناصحاً إن الملك قد سر بقدومك عليه وهو لا يدعك حتى تذكر جبلة فإياك أن تقع فيه فإنه إنما يختبرك وإن رآك قد وقعت فيه زهد فيك وإن رآك تذكر محاسنه ثقل عليه فلا تبتدئ بذكره وإن سألك عنه فلا تطنب في الثناء عليه ولا تعبه امسح ذكره مسحاً وجاوزه إلى غيره فإن صاحبك يعني جبلة أشد إغضاء عن هذا من هذا أي أشد تغافلاً وأقل حفلاً به وذلك أن صاحبك أعقل من هذا وأبين وليس لهذا بيان فإذا دخلت عليه فسوف يدعوك إلى الطعام وهو رجل يثقل عليه أن يؤكل طعامه ولا يبالي الدرهم والدينار ويثقل عليه أن يشرب شرابه أيضاً فإذا وضع طعامه فلا تضع يدك حتى يدعوك وإذا دعاك فأصب من طعامه بعض الإصابة .
قال فشكرت لحاجبه ما أمرني به .
قال ثم دخلت عليه فسألني عن البلاد وعن الناس وعن عيشنا بالحجاز وعن رجال يهود وكيف ما بيننا من تلك الحروب .
فكل ذلك أخبره حتى انتهى إلى ذكر جبلة فقال كيف تجد جبلة فقد انقطعت إليه وتركتنا فقلت إنما جبلة منك وأنت منه .
فلم أجر إلى مدح ولا عيب وجاز ذلك إلى غيره ثم قال الغداء .
فأتي بالغداء ووضع الطعام فوضع يده فأكل أكلاً شديداً وإذا رجل جبار فقال بعد ساعة ادن فأصب من هذا .
فدنوت فخططت تخطيطاً فأتي بطعام كثير ثم رفع الطعام وجاء وُصفاءُ كثير عددهم معهم الأباريق فيها ألوان