لي إنه إن نفر منك نفر مني فيذهب شعره فأبيت إلا أن يدلني عليه فقال اطلبه في هذه الصحارى فإذا رأيته فادن منه مستأنسا ولا تره أنك تهابه فإنه يتهددك ويتوعدك أن يرميك بشيء فلا يروعنك واجلس صارفا بصرك عنه والحظه أحيانا فإذا رأيته قد سكن من نفاره فأنشده شعرا غزلا وإن كنت تروي من شعر قيس بن ذريح شيئا فأنشده إياه فإنه معجب به فخرجت فطلبته يومي إلى العصر فوجدته جالسا على رمل قد خط فيه بأصبعه خطوطا فدنوت منه غير منقبض فنفر مني نفور الوحش من الإنس وإلى جانبه أحجار فتناول حجرا فأعرضت عنه فمكث ساعة كأنه نافر يريد القيام فلما طال جلوسي سكن وأقبل يخط بأصبعه فأقبلت عليه وقلت أحسن والله قيس بن ذريح حيث يقول .
( ألا يا غرابَ البينِ ويحك نبِّني ... بعلمك في لبُنى وأنت خبيرُ ) .
( فإن أنتَ لم تُخبِر بشيءٍ علمته ... فلا طِرْتَ إلا والجناحُ كسيُر ) .
( ودُرْتَ بأعداد حبيبُك فيهمُ ... كما قد تَراني بالحبيب أَدورُ ) فأقبل علي وهو يبكي فقال أحسن والله وأنا أحسن منه قولا حيث أقول .
( كأنّ القلبَ ليلةَ قِيلَ يغُدَى ... بليلى العامريَّةِ أو يُراحُ ) .
( قطاةٌ عزّها شَرَكٌ فباتت ... تُجاذِبه وقد عَلِقَ الجناحُ ) فأمسكت عنه هنيهة ثم أقبلت عليه فقلت وأحسن والله قيس بن ذريح حيث يقول .
( وإني لَمُفْنٍ دمعَ عَيْنَيَّ بالبكا ... حِذَاراً لِمَا قد كان أو هو كائنُ )