والجواب إنَّ اختلافَ المعنى فيما ذكروا حاصل بالإعراب لا بعدم الإعراب فإنَّكَ لو سكَّنت في هذه المواضع كلّها لعرفتَ المعنى بدليلٍ آخر فالواو في قولك لا تأكل السمك وتشرب اللبنَ للعطف فيحتمل أن يُعطفَ على لفظِ الفعلِ الأوَّل فيكونَ نهياً عنهما جميعاً مُجْتَمعين ومُنْفَردين فعندَ ذلك يُجْزَم على تقدير ولا تشرب اللبن ويُحتَمل أنْ تُريدَ به العطفَ على الموضع ومعنى الجمع ولا يصحّ ذلك إلا بإرادة أنْ ليصير المعنى لا تجمعْ بينَ أكلِ السمك وشرب اللبن ولو ظهرت أنْ لفُهم المعنى بدون الإعراب وكذلك لو ظهرتْ لا فاللَّبْسُ جاء من حذف العامل فأقمتَ الحركاتِ مقامَ ظُهوره لا أنَّ معنى الفعل تغيّر بالعامل كما تغيَّر الاسم بالفعل فيكون تارةً فاعلاً وتارةً مفعولاً والفعل مع عامله قد يكون له موضع الاسم المفرد المفتقر الى عاملٍ ومن ها هنا كان الرفعُ في قولك فيمنعني البواب هو الوجهُ لأنك لو نصبت عطفته على أزورك وذلك مُراد والمنعُ ليسَ بمراد فيفسد المعنى بسبب العطف الموجب للتشريك ولذلك لو سكنتَ لم يفسد المعنى فقد رأيت الإعراب بالنصب كيف أفسدَ المعنى ولو نصبتْ العربُ الفاعلَ ورفعتِ المفعولَ لحصلَ الفرْقُ ولو نصبتْ هنا لفسدَ المعنى لِمَا ذكرنا والرفع فيه لم يتعيَّن ليصحح المعنى بل النصب هو المتعين لِفساد المعنى وكذلك لا يسعني شيء ويعجزَ عنك الرفعُ يُفْسِد المعنى لأنَّه يصير لا يسعني شيء ولا يعجزُ عنك فبوجود الرفع يَفْسُدُ المعنى وفي الأسماء بعدم الإعراب يَفْسُد المعنى وأما قولك ليضربْ زيد فلا يلتبس إذا كان هذا الكلام وحدَه بل يكون أمراً لا محالة فإذا انضمّ إليه كلامٌ آخرٌ يَصْلُح أن يكون عِلَّةً له فُهِمَ المعنى وإن سكَّنته