فاعرف بما ذكرناه حال ما يرد في معناه وأن الشاعر إذا أورد منه شيئا فكأنه لأنسه بعلم غرضه وسُفُور مراده لم يرتكب صعبا ولا جشم إلا أمما وافق بذلك قابلا له أو صادف غير آنٍس به إلا أنه هو قد استرسل واثقا وبنى الأمر على أن ليس ملتبسا .
ومن ذلك قوله : .
( فأصبحَتْ بعد خطَّ بهجتِها ... كأنَّ قَفْرا رسومَها قلما ) أراد : فأصبحت بعد بهجتها قفرا كأن قلما خط رسومها . ففصل بين المضاف الذي هو ( بعد ) والمضاف إليه الذي هو ( بهجتها ) بالفعل الذي هو ( خط ) وفصل أيضا بخط بين ( أصبحت ) وخبرها الذي هو ( قفرا ) وفصل بين كأن واسمها الذي هو ( قلما ) بأجنبيين : أحدهما قفرا والآخر : رسومها ألا ترى أن رسومها مفعول خط الذي هو خبر كأن وأنت لا تجيز كأن خبزا زيدا آكل . بل إذا لم تُجز الفصل بين الفعل والفاعل على قوة الفعل في نحو كانت زيدا الحُمى تأخذ كان ألا تجيز الفصل بين كأن واسمها بمفعول فاعلها أجدر .
نعم وأغلظ من ذا أنه قدم خبر كأن عليها وهو قوله : خط . فهذا ونحوه مما لا يجوز لأحد قياس عليه . غير أن فيه ما قدمنا ذكره من سمو الشاعر وتغطرفه وبأوه وتعجرفه . فاعرفه واجتنبه .
ومن ذلك بيت الكتاب : .
( وما مثلُه في الناس إلا مملَّكا ... أبو أُمِّه حَىٌّ أبوه يقاربه ) .
وحديث ما فيه معروف فلندعه ولنعد عنه