ولا الثالث الثاني كذلك متّصلا متتابعا . وليس أحد من العرب الفصحاء إلاّ يقول : إنه يحكى كلام أبيه وسَلَفه يتوارثونه آخرٌ عن أوّل وتابع عن متَّبعَ وليس كذلك أهل الحَضَر لأنهم يتظاهرون بينهم بأنهم قد تركوا وخالفوا كلام من ينتسِب إلى اللغة العربية الفصيحة . غير أن كلام أهل الحضر مضاهٍ لكلام فصحاء العرب في حروفهم وتأليفهم إلا أنهم أخلُّوا بأشياء من إعراب الكلام الفصيح . وهذا رأى أبى الحسن وهو الصواب .
وذهب إلى أن اختلاف لغات العرب إنما أتاها من قِبَل أنّ أوّل ما وضع منها وُضع على خلاف وإن كان كله مَسُوقا على صحَّة وقياس ثم أحدثوا من بعدُ أشياء كثيرة للحاجة إليها غير أنها على قياس ما كان وُضع في الأصل مختِلفا وإن كان كل واحد آخذا من صحة القياس حظّا . ويجوز أيضا أن يكون الموضوع الأوّل ضربا واحدا ثم رأى من جاء مِن بعد أن خالف قياس الأوّل إلى قياسٍ ثان جارٍ في الصحَّة مَجرى الأول .
ولا يبعد عندي ما قال من موضعين : أحدهما سعة القياس وإذا كان كذلك جازت فيه أوجه لا وجهان اثنان . والآخر أنه كان يجوز أن يبدأ الأوّل بالقياس الذي عدل إليه الثاني فلا عليك أيُّهما تقدَّم وأيهما تأخَّر . فهذا طريق القول على ابتداء بعضها ولحاق بعضها به