وإذا كان كذلك فما كان من احسن ضروراتهم فليكن من أحسن ضروراتنا وما كان من اقبحها عندهم فليكن من أقبحها عندنا وما بين ذلك بين ذلك .
فإن قيل هلاَّ لم يجز لنا متابعتهم على الضرورة من حيث كان القوم لا يترسّلون في عمل أشعارهم ترسّل المولَّدِين ولا يتأنَّون فيهِ ولا يتلوَّمون على حَوْكِه وعمله وإنما كان اكثره ارتجالا قصيدا كان او رَجَزا أو رَمَلا فضرورتهم إذاً أقوى من ضرورة المحدَثيِن فعلى هذا ينبغي ان يكون عذرهم فيهِ أوسع وعذر المولَّدين أضيق .
قيل يَسقط هذا من أوجهٍ أحدها أنه ليس جميع الشعر القديم مرتجلا بل قد كان يعرِض لهم فيهِ من الصبر عليهِ والملاطفة له والتلوُّم على رياضته وإحكام صنعته نحوٌ مما يعرِض لكثير من المولَّدين ألا ترى إلى ما يروى عن زُهَير مِن أنه عمل سبع قصائد في سبع سنين فكانت تسمَّى حولَّياتِ زهير لأنه كان يحوك القصيده في سنة والحكاية في ذلك عن ابن أبي حفصة أنه قال كنت أعمل القصيدة في أربعة اشهر وأحِكّكها في أربعة أشهر وأعِرضها في أربعة أشهر ثم أخرج بها إلى الناس