لا يوجب أن يحرم الله على جميع المؤمنين ما لم تعتده طباع هؤلاء و لا أن يحل لجميع المؤمنين ما تعودوه كيف و قد كانت العرب قد إعتادت أكل الدم و الميتة و غير ذلك و قد حرمه الله تعالى و قد قيل لبعض العرب ما تأكلون قال ما دب و درج إلا أم حبين فقال ليهن أم حبين العافية و نفس قريش كانوا يأكلون خبائث حرمها الله و كانوا يعافون مطاعم لم يحرمها الله و في الصحيحين عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قدم له لحم ضب فرفع يده و لم يأكل فقيل أحرام هو يا رسول الله قال ( لا و لكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ( فعلم كراهة قريش و غيرها لطعام من الأطعمة لا يكون موجبا لتحريمه على المؤمنين من سائر العرب و العجم .
.
و أيضا فإن النبى صلى الله عليه و سلم و أصحابه لم يحرم احد منهم ما كرهته العرب و لم يبح كل ما أكلته العرب و قوله تعالى ( و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث ( إخبار عنه أنه سيفعل ذلك فأحل النبى صلى الله عليه و سلم الطيبات و حرم الخبائث مثل كل ذي ناب من السباع و كل ذي مخلب من الطير فإنها عادية باغية فإذا أكلها الناس و الغاذي شبيه بالمغتذي صار في أخلاقهم شوب من أخلاق هذه البهائم و هو البغي و العدوان كما حرم الدم المسفوح لأنه مجمع قوى النفس الشهوية الغضبية و زيادته توجب طغيان هذه القوى