ما أنزل الله والحكم إنما يكون في الأمر والنهي والعلم ببعض معاني الكتب لا ينافي عدم العلم ببعضها وهذا متفق عليه في المعاني فإن المسلمين واليهود والنصارى متفقون على أن في الكتب الإلهية الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له وأنه أرسل إلى الخلق رسلا من البشر وأنه أوجب العدل وحرم الظلم والفواحش والشرك وأمثال ذلك من الشرائع الكلية وأن فيها الوعد بالثواب والوعيد بالعقاب بل هم متفقون على الإيمان باليوم الآخر وقد تنازعوا في بعض معانيها واختلفوا في تفسير ذلك كما اختلفت اليهود والنصارى في المسيح المبشر به النبوات هل هو المسيح بن مريم عليه السلام أو مسيح آخر ينتظر والمسلمون يعلمون أن الصواب في هذا مع النصارى لكن لا يوافقنهم على ما أحدثوا فيه من الإفك والشرك .
وكذلك يقال إذا بدل قليل من ألفاظها الخبرية لم يمنع ذلك أن يكون أكثر ألفاظها لم يبدل لا سيما إذا كان في نفس الكتاب ما يدل على المبدل وقد يقال إن ما بدل من ألفاظ التوراة والإنجيل ففي نفس التوراة والإنجيل ما يدل على تبديله فبهذا يحصل الجواب على شبهة عن يقول إنه لم يبدل شيء من ألفاظها فإنهم يقولون إذا كان التبديل قد وقع في ألفاظ التوراة والإنجيل قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلم الحق من الباطل فسقط الاحتجاج بهما ووجوب العمل بهما على أهل الكتاب فلا يذمون حينئذ على ترك اتباعهما والقرآن قد ذمهم على ترك الحكم بما فيها واستشهد بهما في مواضع وجواب ذلك أن ماوقع من التبديل قليل والأكثر لم يبدل والذي لم يبدل فيه ألفاظ صريحة بينة بالمقصود تبين غلط ما خالفها ولها شواهد ونظائر متعددة يصدق بعضها بعضا بخلاف المبدل فإنه ألفاظ قليلة وسائر نصوص الكتب يناقضها وصار هذا بمنزلة كتب الحديث المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه إذا وقع في سنن أبي داود والترمذي أو غيرهما أحاديث قليلة ضعيفة كان في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يبين ضعف تلك بل وكذلك صحيح مسلم فيه ألفاظ قليلة غلط وفي نفس الأحاديث الصحيحة مع القرآن ما يبين غلطها مثل ما روي أن الله خلق التربة يوم السبت وجعل خلق المخلوقات في الأيام السبعة فإن هذا الحديث قد بين أئمة الحديث كيحيى بن معين وعبد الرحمن بن مهدي والبخاري وغيرهم أنه غلط وأنه ليس في كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل صرح البخاري في تاريخه الكبير أنه من كلام كعب الأحبار كما قد بسط في موضعه والقرآن يدل على غلط هذا وبين أن الخلق في ستة أيام وثبت في الصحيح أن آخر الخلق كان يوم الجمعة فيكون أول الخلق يوم الأحد وكذلك ما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى الكسوف بركوعين أو ثلاثة فإن الثابت المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة وابن عباس وعبد الله بن عمرو وغيرهم أنه صلى كل ركعة بركوعين ولهذا لم يخرج البخاري إلا ذلك وضعف الشامي والبخاري وأحمد فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما