وحينئذ يلزمه أن لا ينكر على من يظلمه ويشتمه ويأخذ ماله ويفسد حريمه ويضرب عنقه ويهلك الحرث والنسل وهؤلاء جميعهم كذابون متناقضون فإن أحدهم لا يزال يذم هذا ويبغض هذا ويخالف هذا حتى إن الذي ينكر عليهم يبغضونه ويعادونه وينكرون عليه فإذا كان القدر حجة لمن فعل المحرمات وترك الواجبات لزمهم أن لا يذموا أحدا ولا يبغضوا أحدا ولا يقولون عن أحد أنه ظالم ولو فعل ما فعل ومعلوم أن هذا لا يمكن أحدا فعله ولو فعل الناس هذا لهلك العالم فتبين أن قولهم فاسد في العقل كما أنه كفر في الشرع وأنهم كذابون مفترون في قولهم إن القدر حجة للعبد .
الوجه الثاني أن هذا يلزم منه أن يكون إبليس وفرعون وقوم نوح وقوم هود وكل من أهلكه الله بذنوبه معذورين وهذا من الكفر الذي اتفق عليه أرباب الملل .
الوجه الثالث أن هذا يلزم منه أن لا يفرق بين أولياء الله وأعداء الله ولا بين المؤمنين والكفار ولا أهل الجنة وأهل النار وقد قال تعالى ! < وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات > ! وقال تعالى ! < أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار > ! وقال تعالى ! < أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون > ! وذلك أن هؤلاء جميعهم سبقت لهم من الله تعالى السوابق وكتب الله تعالى مقاديرهم قبل أن يخلقهم وهم مع هذا قد انقسموا إلى سعيد بالإيمان والعمل الصالح وإلى شقي بالكفر والفسوق والعصيان فعلم بذلك أن القضاء والقدر ليس بحجة لأحد على معاصي الله تعالى .
الوجه الرابع أن القدر نؤمن به ولا نحتج به فمن احتج بالقدر فحجته داحضة ومن اعتذر بالقدر فعذره غير مقبول ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولا لقبل من إبليس وغيره من العصاة ولو كان القدر حجة للعباد لم يعذب الله أحدا من الخلق لا في الدنيا ولا في الآخرة ولو كان القدر حجة لم يقطع سارق ولا قتل قاتل ولا أقيم حد على ذي جريمة ولا جوهد في سبيل الله ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر .
الوجه الخامس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذا فإنه قال ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة فقيل يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على