الاكتفاء بكتابه في هذا الحديث يورث جهلا عظيما بأصول الإسلام واعتبر ذلك بأن كتاب أبي المعالي الذي هو نخبة عمره نهاية المطلب في دراية المذهب ليس فيه حديث واحد معزو إلى صحيح البخاري إلا حديث واحد في البسملة وليس ذلك الحديث في البخاري كما ذكره ولقلة علمه وعلم أمثاله بأصول الإسلام اتفق أصحاب الشافعي على أنه ليس لهم وجه في مذهب الشافعي فإذا لم يسوغ أصحابه أن يعتد بخلافهم في مسألة من فروع الفقه كيف يكون حالهم في غير هذا وإذا اتفق أصحابه على أن لا يجوز أن يتخذ إماما في مسألة واحدة من مسائل الفروع فكيف يتخذ إماما في أصول الدين مع العلم بأنه إنما نبل قدره عند الخاصة والعامة بتبحره في مذهب الشافعي رضي الله عنه لأن مذهب الشافعي مؤسس على الكتاب والسنة وهذا الذي ارتفع به عند المسلمين غايته فيه أنه يوجد منه نقل جمعة أو بحث تفطن له فلا يجعل إماما فيه كالأئمة الذين لهم وجوه فكيف بالكلام الذي نص الشافعي وسائر الأئمة على أنه ليس بعد الشرك بالله ذنب أعظم منه وقد بينا أن ما جعله أصل دينه في الإرشاد والشامل وغيرهما هو بعينه من الكلام الذي نصت عليه الأئمة ولهذا روى عنه ابن طاهر أنه قال وقت الموت لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يدركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني وها أنا أموت على عقيدة أمي أو عقائد عجائز نيسابور وقال أبو عبد الله بن العباس الرستمي حكى لنا الإمام أبو الفتح محمد بن علي الطبري الفقيه قال دخلنا على الإمام أبي المعالي الجويني نعوده في مرضه الذي مات فيه بنيسابور فأقعد فقال لنا اشهدوا على أني رجعت عن كل مقالة قلتها أخالف فيها ما قال السلف الصالح عليهم السلام وإني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور وعامة المتأخرين من أهل الكلام سلكوا خلفه من تلامذته وتلامذة تلامذته وتلامذة تلامذة تلامذته ومن بعدهم ولقلة علمه بالكتاب والسنة وكلام سلف الأمة يظن أن أكثر الحوادث ليست في الكتاب والسنة والإجماع ما يدل عليها وإنما يعلم حكمها بالقياس كما يذكر ذلك في كتبه ومن كان له علم بالنصوص ودلالتها على الأحكام علم أن قول أبي محمد بن حزم وأمثاله أن النصوص تستوعب جميع الحوادث أقرب إلى الصواب من هذا القول وإن كان في طريقة هؤلاء من الإعراض عن بعض الأدلة الشرعية ما قد يسمى قياسا جليا وقد يجعل من دلالة اللفظ مثل فحوى الخطاب والقياس في معنى الأصل وغير ذلك ومثل الجمود على الاستصحاب الضعيف ومثل الإعراض عن متابعة أئمة من الصحابة ومن بعدهم ما هو معيب عليهم وكذلك القدح في أعراض الأئمة لكن الغرض أن قول هؤلاء في استيعاب النصوص للحوادث وإن الله ورسوله قد بين للناس دينهم هو أقرب إلى العلم والإيمان الذي هو الحق ممن يقول أن الله لم يبين الناس حكم أكثر ما يحدث لهم من الأعمال بل وكلهم فيها إلى الظنون المتقابلة والآراء المتعارضة ولا ريب أن سبب هذا كله ضعف العلم بالآثار النبوية والآثار السلفية