قال : وسمعت جماهر بن عبد الرحمن يقول : إن وقت وقوع النار في أسواق طليطلة واحترقت كانت دار أحمد بن محمد هذا في الفرائين فاحترقت الدار إلا البيت التي كانت فيه كتب أحمد وكان ذلك الوقت في الرباط وعجب الناس من ذلك وكانوا يقصدون البيت وينظرون إليه .
وكان قد جمع من الكتب كثيرا في كل فن وكانت جلها بخط يده وكانت منتخبة مضبوطة صحاحا أمهات لا يدع فيها شبهة مهملة وقل ما يجوز عليه فيها خطأ ولا وهم وكان لا يزال يتتبع ما يجده في كتبه من السقط والخلل بزيادة في اللفظ أو نقصان منه فيصلحه حيث ما وجده ويعيده إلى الصواب . وكانت كتبه وكتب صاحبه إبراهيم بن محمد أصح كتب بطليطلة .
وتوفي : يوم الاثنين لثمان بقين من شعبان سنة أربع مائة ودفن بحومة باب شاقرة بربض طليطلة . زاد غيره وصلى عليه صاحبه أبو إسحاق بن شنظير وكان مولده سنة ثلاث وخمسين وثلاث مائة .
أحمد بن عبد الملك بن هاشم الإشبيلي المعروف : بابن المكوي يكنى : أبا عمر . كبير المفتين بقرطبة الذي انتهت إليه رياسة العلم بها أيام الجماعة .
صحب أبا إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفقيه وتفقه عنده وعند غيره من فقهاء وقته حافظا للفقه مقدما فيه على جميع أهل عصره عارفا بالفتوى على مذهب مالك وأصحابه وكان بصيرا بأقوالهم واتفاقهم واختلافهم . من أهل المتانة في دينه والصلابة في رأيه والبعد عن هوى نفسه لا يداهن السلطان ولا يميل معه بهوادة ولا يدع صدقه في الحق إذا ضايقه . وكان القريب والبعيد عنده في الحق سواء .
ودعي إلى القضاء بقرطبة مرتين فأبي من ذلك واعتذر واستعفى عنه ولم يجب إليه البته . وجمع للحكم أمير المؤمنين كتابا حفيلا في رأى مالك سماه : كتاب الاستيعاب من ماية جزء وكان جمعه له مع أبي بكر محمد بن عبيد الله القرشي المعيطي ورفع إلى الحكم فسر بذلك ووصلهما وقدمهما إلى الشورى في أيام القاضي محمد ابن إسحاق بن السليم فانتفع الناس به ووثقوه في أمورهم ولجؤا إليه في مهماتهم ولم يزل معظما عندهم عالي الذكر فيهم إلى أن توفي فجأة ليلة السبت ودفن يوم السبت لصلاه العصر لسبع خلون من جمادى الأولى من سنة إحدى وأربع مائة ودفن بمقبره قريش وكانت جنازته عظيمة الحفل وشهدها واضح حاجب هشام بن الحكم وصلى عليه القاضي أبو بكر بن وافد وغسله أبو عمر بن عفيف .
وكان مولده سنة أربع وعشرين وثلاث مائة ذكره ابن عفيف والقبشي وابن حيان .
وسمع أبو محمد بن الشقاق الفقيه تلميذه يوم دفنه على قبره يقول : رحمك الله أبا عمر فقد فضحت الفقهاء بقوة حفظك في حياتك ولتفضحنهم بعد مماتك أشهد أني ما رأيت أحدا حفظ السنة كحفظك ولا علم من وجوهها كعلمك .
أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد بن الحباب بن الجسور الأموي مولى لهم : من أهل قرطبة يكنى : أبا عمر . وكناه ابن شنظير أبا عمير وضبطه .
روى عن قاسم بن أصبغ ومحمد بن معاوية القرشي ووهب بن مسرة ومحمد بن عبد الله بن أبي دليم والحبيب بن أحمد ومحمد بن رفاعة القلاس وأحمد بن مطرف وأحمد بن سعيد بن حزم ومنذر القاضي وخالد بن سعد وأحمد بن الفضل الدينوري وغيرهم .
حدث عنه أبو عمر بن عبد البر والصاحبان وأبو عبد الله الخولاني وقال : كان من أهل العلم ومتقدما في الفهم يعقد الوثائق لمن قصده وفي المحافل لمن أنذره حافظا للحديث والرأي عارفا بأسماء الرجال قديم الطلب .
وذكره الحميدي وذكر نسبه وقال : محدث مكثر . قال أبو محمد بن حزم : وهو أول شيخ سمعت منه قبل الأربع مائة . ومات في منزله ببلاط مغيث بقرطبة يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي القعدة سنة إحدى وأربع مائة .
وقرأت وفاته أيضا على نحو ما ذكره بخط أبي عبد الله بن عتاب الفقيه وقال : كانت وفاته في الطاعون وكان كاتب القاضي منذر بن سعيد ومخلفه في السوق . وكان خيرا فاضلا أديبا شاعرا . قال ابن شنظير ومولده سنة تسع عشرة أو ستة وعشرين وثلاث مائة . ذكر ذلك عن ابن الجسور