قلت : لما انصرفت من البصرة في خدمة الركاب العميدي اتفق الاستسعاد برؤيته ثانيةً وتدلت به إلى أهداب المسرات دانية يكاد بأخذها من قام بالراح تزودت إلى ناحيتي من النشاط بلقائه والاغتباط ببقائه ما اعتقدت لله تعالى عليه حمداً دائباً وشكراً واصباً . ولم تطل عليه الأيام حتى بسط عليه القضاء جناحيه وقبضه الله وله الكبرياء إليه رحمة الله ورضوانه عليه .
القاضي أبو القاسم .
عبد العزيز بن محمد الطبسي .
أنشدني أبو إبراهيم بن أبي أسعد المقري له في ترجمة البيتين بالفارسية : .
كفتى كه برو برابرم جه نشينى ... اينك رفتم جرا جنين غمكينى .
جون بفروشى بتا ستور زينى ... بر بسته بر آخر دكر كس بينى .
فقال : .
وأنت الذي أبعدتني إذ رأيتني ... وها أنا ذا غاد فما لك تحزن .
إذا أنت بعت اليوم مهراً لهزله ... تراه على آري غيرك يسمن .
قال : وأنشدني أيضاً لنفسه : .
وما غربتي يا قوم عندي محنة ... ولكنه صرف الزمان ينوب .
فقل للذي سرته محنة غربتي ... توقع إيابي فالغريب يؤوب .
قلت : الكربة الكربة من غربة تكون تحت التربة والخيبة الخيبة من مثل تلك الغيبة فإن غريب التراب يرجع بعد مشيب الغراب وغائب الممات منقطع المواد والموات ولا متدارك لذلك الفوات صدق عبيد وهو من أصدق العبيد حيث قال : .
وكل ذي غيبة يؤوب ... وغائب الموت لا يؤوب .
القسم السابع .
في أئمة الأدب .
الذين لم يجر لهم في الشعر رسم .
هؤلاء قومٌ ليس لهم في دواوين الشعر رسمٌ ولا في قوانين الشعراء اسمٌ . وقد أفردت لهم باباً أنا ابن بجدته وأبو عذرته . وأنت وإن ألجمت في طلبه عراباً وزممت بختاً لم تلحق له في سائر الطبقات أختاً .
أبو الحسين أحمد بن فارس .
ابن زكريا .
إذا ذكرت اللغة فهو صاحب مجملها لا بل صاحبها المجمّل لها . وعندي أن تضيفه ذلك من أحسن " التّصانيف التّي صنعت " في معناها وأنّ مصنّفها إلى أقصى غايةٍ من الإحسان تناهى . ولم أر له شعراً غير ما رويت " وهو " : .
وقالوا : كيف حالك قلت : خيرٌ ... تقضّى حاجةٌ وتفوت حاج .
إذا ازدحمت هموم القلب قلنا ... عسى يوماً يكون لها انفراج .
نديمي هرّتي وسرور قلبي ... دفاتر لي ومعشوقي السّراج .
أبو الفتح عثمان بن جنّي .
ليس لأحدٍ من أئمة الأدب في فتح المقفلات وشرح المشكلات ما له ؛ " فقد وقع " عليها من " ثمرات الأعراب ولا سيّما في علم الإعراب " . ومن تأمل مصنّفاته وقع على بعض صفاته فور بيّ إنّه كشف الغطاء عن شعر المتنبّي وما كنت أعلم به أنّه ينظم القريض أو يسيغ ذلك المتنبّي وما كنت أعلم به أنّه ينظم القريض أو يسيغ ذلك الجريض حتّى قرأت له مرثيّته في المتنبّي وأولها : .
غاض القريض وأودت نضرة الأدب ... وصوّحت بعدري دوحة الكتب .
" ومنها " : .
سلبت ثوب بهاء كنت تلبسه ... لّما تخطّفت بالخطّيّة السلب .
ما زلت تصطحب الجلّى إذا نزلت ... قلباً جميعاً وعزماً غير منشعب .
وقد حلبت لعمر الدّهر أشطره ... تمطو بهمّة لا وان و نصب .
من للهواجل يحيي ميت أرسمها ... بكلّ جائلة التصدير والحقب .
قباء خوصاء محمودٍ علالتها ... تنبو عريكتها بالحلس والقتب .
أم من لسرحانها يقريه فضلته ... وقد تضور بين اليأس والسغب .
أم من لبيض الظبى تو كافهنّ دمٌ ... أم من لسمر القنا والزغف واليلب .
" أم للجحافل يذكي نار " جاحمها ... حتّى يفرّيها عن ساطع اللّهب .
أم للمحافل إذ يبدو ليعمرها ... بالنظم والنّثر والأمثال والخطب .
أم للصّواهل محمّراً سرابلها ... من بعد ما غربت معروفة الشّهب .
أم للمناهل والظلماء عاكفةٌ ... يواصل الكرّ بين الورد والقرب .
أم للقساطل تعتمّ الحزون بها ... أم من لضغم الهزبر الضّيغم الحرب