أحمد بن فرج بن جرير بن مالك بن عبد الله بن عباد ينتهي إلى معد بن عدنان أصله من قرية بقنسرين وتجر أبوه إلى الشام وكان معه حدثاً فنشأ في طلب العلم وخاصة الفقه والكلام وصحب هياج بن العلاء السلمي وكان من أصحاب واصل بن عطاء فصار إلى الاعتزال . قال أبو العيناء : ما رأيت رئيساً قط أفصح ولا أنطق من ابن أبي دؤاد . وولي القضاء للمعتصم والواثق وكان داعية إلى القول بخلق القرآن وكان موصوفاً بالجود والسخاء وحسن الخلق وغزارة الأدب . قال الصولي : كان يقال أكرم من كان في دولة بني العباس البرامكة ثم ابن أبي دؤاد ولولا ما وضع به نفسه من محبة المحنة لاجتمعت الألسن عليه ولم يضف إلى كرمه كرم أحد . وقال عون بن محمد الكندي : لعهدي بالكرخ وأن رجلاً لو قال ابن أبي دؤاد مسلم لقلت في مكانه ثم وقع الحريق في الكرخ وهو الذي لم يكن مثله قط . كان الرجل يقوم في صينية في شارع الكرخ فيرى السفن في دجلة فقال ابن أبي دؤاد للمعتصم : يا أمير المؤمنين رعيتك في بلد آبائك ودار ملكهم نزل بهم هذا الأمر فاعطف عليهم بشيء تفرقه فيهم يمسك أرماقهم ويبنون به ما انهدم فلم يزل ينازله حتى أطلق له خمسة آلاف درهم فقال : يا أمير المؤمنين إن فرقها غيري خفت أن لا يقسم بالسوية فقال : ذلك إليك فقسمها على مقادير ما ذهب منهم وغرم من ماله جملة . فقال عون لعهدي بعد ذلك بالكرخ لو قال زر ابن أبي دؤاد وسخٌ لقتل . وقال أبو العيناء : كان الأفشين يحسد أبا دلف للعربية والشجاعة فاحتال عليه حتى شهد عليه بخيانة وقتلٍ فأخذه ببعض أسبابه وجلس له وأحضره السياف وبلغ ابن أبي دؤاد الخبر فركب في وقته مع من حضر من عدوله فدخل على الأفشين وقد جيء بأبي دلف ليقتل فوقف ثم قال : إني رسول أمير المؤمنين إليك وقد أمرك أن لا تحدث في أبي دلف حدثاً حتى تسلمه إلي ثم التفت إلى العدول فقال : اشهدوا أني أديت رسالة أمير المؤمنين وأبو دلف حي معافى فقالوا : شهدنا فلم يقدر الأفشين عليه وصار ابن أبي دؤاد إلى المعتصم من وقته وقال : يا أمير المؤمنين قد أديت عنك رسالة لم تقلها لي ما أعتد بعمل خيرٍ خيراً منها وإني لأرجو لك الجنة بها ثم أخبره الخبر فصوب رأيه ووجه أحضر أبا دلف فأطلقه ووهب له وعنف الأفشين فيما عز عليه .
وكان المعتصم قد اشتد غيظه على محمد بن الجهم البرمكي فأمر بضرب عنقه فلما رأى ابن أبي دؤاد ذلك وأن لا حيلة له فيه وقد شد برأسه وأقيم في النطع وهز له السيف قال ابن أبي دؤاد : وكيف تأخذ ماله إذا قتلته ؟ قال : ومن يحول بيني وبينه ؟ قال : يأبى الله ذلك ويأباه رسوله ويأباه عدل أمير المؤمنين فإن المال للوارث إذا قتلته حتى تقيم البينة على ما فعله وأمره في استخراج ما اختانه أقرب عليك وهو حي فقال : أحبسوه حتى يناظر فتأخر أمره على مال حمله وخلص محمد . وله في ترجمته في " تاريخ ابن خلكان " وغيره عدة مناقب من هذا النوع .
وقال الحسين بن الضحاك الشاعر المشهور لبعض المتكلمين : ابن أبي دؤاد عندنا لا يعرف اللغة وعند الفقهاء لا يحسن الفقه وعندكم لا يعرف الكلام وهو عند المعتصم يعرف هذا كله . وقال إبراهيم بن الحسن : كنا عند المأمون فذكروا من بايع من الأنصار ليلة العقبة فاختلفوا في ذلك ودخل ابن أبي دؤاد فعدهم واحداً واحداً بأسمائهم وكناهم وأنسابهم فقال المأمون : إذا استجلس الناس فاضلاً فمثل أحمد فقال ابن أبي دؤاد : إذا جالس العالم خليفة فمثل أمير المؤمنين الذي يفهم عنه ويكون أعلم منه بما يقوله . وكان الواثق قد أمر أن لا يرى أحد من الناس محمد بن عبد الملك الزيات الوزير إلا قام له فكان ابن أبي دؤاد إذا رآه قام واستقبل القبلة فصلى فقال ابن الزيات : .
صلى الضحى لما استفاد عداوتي ... وأراه ينسك بعدها ويصوم .
لا تعد منّ عداوةً مسمومةً ... تركتك تقعد تارةً وتقوم .
وهجا بعض الشعراء ابن الزيات بقصيدة عددها سبعون بيتاً فبلغ الخبر ابن أبي دؤاد فقال : .
أحسن من سبعين بيتاً هجا ... جمعك معناهن في بيت .
ما أحوج الناس إلى مطرةٍ ... تغسل عنهم وضر الزيت .
فبلغ الخبر ابن الزيات فقال إن بعض أجداد القاضي كان يبيع القار وقال : .
يا ذا الذي يطمع في هجونا ... عرضت بي نفسك للموت