أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي أبو بكر الخطيب الحافظ إمام هذه الصنعة انتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان والقيام بعلوم الحديث وحسن التصنيف ولد بقرية من أعمال نهر الملك تعرف بهنيقيا بهاء مفتوحة ونون مكسورة وياء آخر الحروف ساكنة وقافٍ مكسورة وبعدها ياء آخر الحروف مفتوحة وبعدها ألف مقصورة كذا وجدته مضبوطاً .
قال أبو الخطاب ابن الجراح يمدح الخطيب : .
فاق الخطيب الورى صدقاً ومعرفة ... وأعجز الناس في تصنيفه الكتبا .
حمى الشريعة من غاوٍ يدنسها ... بوضعه ونفى التدليس والكذبا .
جلى محاسن بغداذٍ فأودعها ... تاريخه مخلصاً لله محتسبا .
وقال في الناس بالقسطاس منحرفاً ... عن الهوى وأزال الشك والريبا .
سقى ثراك أبا بكرٍ على ظمأ ... جونٌ ركامٌ يسح الواكف السربا .
ونلت فوزاً ورضواناً ومغفرةً ... إذا تحقق وعد الله واقتربا .
وقال الحافظ أبو طاهر السلفي يمدح مصنفات الخطيب : .
تصانيف ابن ثابتٍ الخطيب ... ألذّ من الصبا الغضّ الرطيب .
يراها إذ حواها من رواها ... رياضاً رأسها ترك الذنوب .
ويأخذ حسن ما قد صاغ منها ... بقلب الحافظ الفطن الأريب .
فأية راحةٍ ونعيم عيشٍ ... يوازي كتبه أم أي طيب .
سمع ببغداذ شيوخ وقته وبالبصرة والري والدينور والكوفة ونيسابور وقدم دمشق سنة خمس وأربعين وأربع مائة حاجّاً فسمع بها وبصور وقرأ " صحيح البخاري " في خمسة أيام بمكة على كريمة المروزية وعاد إلى بغداذ وصار له قرب من الوزير رئيس الرؤساء فلما وقعت فتنة البساسيري ببغداذ استتر الخطيب وخرج إلى الشام لما آذاه الحنابلة بجامع المنصور وحدث بدمشق بعامة كتبه ثم قصد صور وأقام بها وكان يتردد إلى القدس للزيارة ثم يعود إلى صور وتوجه إلى طرابلس وحلب وأقام بهما أياماً قلائل ثم عاد إلى بغداذ في أعقاب سنة اثنتين وستين وأقام بها سنة إلى توفي وحينئذ روى " تاريخ بغداذ " وروى عنه من شيوخه أبو بكر البرقاني والأزهري وغيرهما .
وكان يقول : شربت ماء زمزم ثلاث مرات وسألت الله D ثلاث حاجاتٍ آخذاً بقول النبي A ماء زمزم لما شرب له فالحاجة الأولى أن أحدث بتاريخ بغداذ والثانية أن أملي الحديث بجامع المنصور والثالثة أن أدفن إذا مت عند قبر بشر الحافي . فلما عاد إلى بغداذ حدث بتاريخه بها ووقع إليه جزء فيه سماع الخليفة القائم بأمر الله فحمل الجزء ومضى إلى باب حجرة الخليفة وسأل أن يؤذن له في قراءة الجزء فقال الخليفة : هذا رجل كبير في الحديث وليس له إلى السماع مني حاجة ولعل له حاجة أراد أن يتوصل إليها بذلك فاسألوه حاجته فسألوه فقال : حاجتي أن أملي الحديث بجامع المنصور فتقدم الخليفة إلى نقيب النقباء بأن يؤذن له في ذلك . ولما مات أرادوا دفنه عند بشر الحافي بوصيةٍ منه وكان الموضع الذي بجنب بشر قد حفر فيه أبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي قبراً لنفسه وكان يمضي إلى ذلك الموضع ويختم فيه القرآن ويدعو ومضى على ذلك سنون فلما مات الخطيب سألوه أن يدفنوه فيه فامتنع وقال : هذا قبري قد حفرته وختمت فيه عدة ختمات ولا أمكن أحداً من الدفن فيه وهذا مما لا يتصور فانتهى الخبر إلى سعد الصوفي فقال له : يا شيخ لو كان بشر في الأحياء ودخلت أنت والخطيب إليه أيكما كان يقعد إلى جانبه أنت أو الخطيب ؟ فقال : لا بل الخطيب فقال : فكذا ينبغي أن يكون في حالة الموت فإنه أحق به منك فطاب قلبه ورضي بأن يدفن الخطيب في ذلك الموضع