ما ذاك غير قروح قلب محبه ... من نارها ذهبت به تتعلّق .
كذا أنشدنيه من لفظه ومن نظمه أيضاً : .
عجبوا لخالك كيف منك مقبّلاً ... شفةً رقت عن لؤلؤٍ وجمان .
فأجبتهم لا تعجبوا ما زال ذا ... مستلزماً لشقائق النعمان .
ومنه أيضاً : .
رعف الحبيب فقيل هل قبلته ... شوقاً إليه ودمع عينك يسجم .
فأجبت لا لكنه أخفى دمي ... في سفكه وعليه قد ظهر الدم .
؟ المترجم البغداذي .
أحمد بن عبد الله بن داود بن علي بن أحمد بن محمد شهاب الدين البغداذي المعروف بالمترجم رأيته بدمشق غير مرة وهو فرد الزمان ونادرة الأوان في حل المترجم وإمام في الكتابة المنسوبة وتعتيقها أول وروده إلى دمشق وصف لشيخنا العلامة شهاب الدين أبي الثناء محمود فأحضروه إليه إلى ديوان الإنشاء فكتب له لغزاً مترجماً فحلّ المترجم واللغز في الوقت الحاضر فما كاد يقضي منه العجب واعترف له بالإحسان وبحل المترجم بلا فاصلة وهذا بديع وآخر عهدي به في سنة خمس وأربعين وسبع مائة بدمشق ثم توجه إلى القاهرة .
كتب تقريظاً على كتابي " جنان الجناس " : .
زينة المرء بيان المنطق ... مقرناً منه بحسن الخلق .
وأخصّ الناس فيه رجلٌ ... نظم الحكمة نظم النسق .
في جنان من جناس زخرفت ... بحسانٍ من لسانٍ ذلق .
أودعتها كفه في دعةٍ ... وأمانٍ في بطون الورق .
ناظماً أحرفه في أسطرٍ ... ذاهباً فيها لأسى الطرق .
كنظام الدر من أنواعه ... زينة في صفحات العنق .
راكباً أسودها أبيضها ... كركوب الليل متن الشفق .
فبياضٌ في سوادٍ حلكٍ ... وسوادٌ في بياضٍ يقق .
نطقت وهي جمادٌ كلها ... وعجيبٌ نطق من لم ينطق .
حملتنا بعده ألفاظه ... في اصطلاح الشعر ما لم نطق .
كل معنىً دقّ فيها فاختفى ... عن سنا الفكر ونور الحدق .
في افتراقٍ واتفاقٍ قصده ... فاغن بالمفترق المتفق .
كمنت فطنته فيها كما ... كمنت أشخاصنا في العلق .
أيها الطالب يبغي شأوه ... حكم العلم بأن لم يلحق .
لست تدري من تجاري فاتئد ... أنت والبرق معاً في طلق .
وبنو الفضل متى جاراهم ... غير ذي الفضل يمينا يسبق .
هكذا المعنى فكن محتفلاً ... وكذا الألفاظ فاسمع وذق .
أي نارٍ لخليلٍ أضرمت ... حذراً منها وإن لم تحرق .
قلبت أرضاً أريضاً أنفاً ... أرج الأرجاء بالفضل سقي .
فبها أفكارنا في سنةٍ ... وبها أعيننا في أرق .
سحر الناس بها منطقه ... فأعاذوه برب الفلق .
زدهم سحراً ولا ترث لهم ... فهو ذنبٌ إثمه في عنقي .
لو وعى نطقك قسٌ لم يقل ... أيها الناس اسمعوا من منطقي .
دمت للناس صلاحاً ما شدت ... فوق غصنٍ صادحات الورق .
فكتبت أنا الجواب إليه مختصراً : .
أرياحين أتت في طبق ... عرفها سارٍ إلى منتشق .
أم غصون من سطور قد شدت ... فوقها الأطيار بين الورق .
أم ثغورٌ بسمت عن شنب ... أم نجوم بدت في غسق .
أم عقودٌ ويد الإحسان قد ... جبرت عطلي فحلّت عنقي .
هكذا النظم الذي رونقه ... لسوى مولاي لم يتفق .
طرسه صفحة خذٍ أبيضٍ ... وله النقس سواد الحدق .
قلت للخلّ وقد عاينه ... هكذا السكر يهدي فذق .
ثم لما ذاقه اهتزّ له ... كنديمٍ صفوة الراح سقي .
قال هذا سكرٌ أو مسكرٌ ... قلت بل هذا وذا في نسق .
دمت يا فرد الورى في فنه ... تبعث البستان لي في ورق .
؟ ؟ فخر الدين البليسي