تحطمنا الأيام حتى كأننا ... زجاجٌ ولكن لا يعاد لنا سبك .
وهذه الأشياء كثيرة في كلامه وهو تناقض منه " وإلى الله ترجع الأمور " . ومكث مدة خمس وأربعين سنة لا يأكل اللحم تديناً ولا ما تولد من الحيوان رحمة للحيوان وخوفاً من إزهاق النفوس . قال ابن الجوزي : وكان يمكنه أن لا يذبح رحمة فأما ما ذبحه غيره فأي رحمة بقيت ؟ انتهى . ولقيه رجل فقال له : لم لا تأكل اللحم ؟ فقال : أرحم الحيوان . قال له : فما تقول في السباع التي لا طعام لها إلا لحوم الحيوان ؟ فإن كان لذلك خالق فما أنت بأرأف منه وإن كانت الطباع المحدثة لذلك فما أنت بأحذق منها ولا أتقن فسكت .
ولما مات رثاه علي بن همام فقال من قصيدة طويلة : .
إن كنت لم ترق الدماء زهادةً ... فلقد أرقت اليوم من عيني دما .
سيرت ذكرك في البلاد كأنه ... مسكٌ فسامعةً يضمّخ أو فما .
وأرى الحجيج إذا أرادوا ليلة ... ذكراك أوجب فديةً من أحرما .
ولما وقف داعي الدعاة أبو نصر هبة الله بن موسى أبي عمران بمصر على قوله : .
غدوت مريض العقل والرأي فألقني ... لتخبر أنباء العقول الصحائح .
فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالماً ... ولا تبغ قوتاً من غريض الذبائح .
ولا تفجعنّ الطير وهي غوافلٌ ... بما وضعت فالظلم شر القبائح .
ودع ضرب النحل الذي بكرت له ... كواسب من أزهار نبتٍ فوائح .
كتب إليه يقول : أنا ذلك المريض عقلاً ورأياً وقد أتيتك مستشفياً فاشفني . وجرت بينهما مكاتبات كثيرة من أسولةٍ وأجوبة انقطع الخطاب بينهما على المساكتة وقد سردها ملخصاً الغرض منها ياقوت في " معجم الأدباء " وقال أبو غالب ابن مهذب المعري في تاريخه : في سنة سبع عشرة وأربع مائة صاحت امرأة في جامع المعرة وذكرت أن صاحب الماخور أراد أن يغتصبها نفسها فنفر كل من في الجامع وهدوا الماخور وأخذوا خشبه ونهبوه وكان أسد الدولة في نواحي صيدا فجاء واعتقل من أعيانها سبعين رجلاً وذلك برأي وزيره بادرس بن الحسن الأستاذ وأوهمه أن في ذلك إقامة الهيبة قال : ولقد بلغني أنه دعي لهؤلاء المعتقلين بآمد وميافارقين على المنابر وقطع عليهم بادرس ألف دينار وخرج الشيخ أبو العلاء المعري إلى أسد الدولة صالح وهو بظاهر المعرة فقال له : مولانا السيد الأجل أسد الدولة مقدمها وناصحها كالنهار الماتع اشتد هجيره وطاب أبراده وكالسيف القاطع لان صحفه وخشن حداه " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " فقال صالح : قد وهبتهم لك أيها الشيخ ولم يعلم أبو العلاء أن المال قد قطع عليهم وإلا كان قد سأله فيه ثم قال أبياتاً فيها : .
بعثت شفيعاً إلى صالحٍ ... وذاك من القوم رأيٌ فسد .
فيسمع مني سجع الحمام ... وأسمع منه زئير الأسد .
وروى عن أبي العلاء القاسم التنوخي وهو من أقرانه والخطيب التبريزي والإمام أبو المكارم عبد الوارث بن محمد الأبهري و الفقيه أبو تمام غالب بن عيسى الأنصاري والخليل بن عبد الجبار القزويني وأبو طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصقر الأنباري وغير واحد . وكان أكله العدس وحلاوته التين ولباسه القطن وفراشه اللباد وحصيره بردية . وشعره كثير إلى الغاية وأحسنه " سقط الزند "