أحمد بن الطيب السرخسي يُعرف بابن الفرانقي أحد العلماء الفهماء الفصحاء البلغاء المتقنين له في علم الأثر باعٌ طويل وفي علوم الحكماء ذهن ثاقب وهو تلميذ الكندي له في كل فن تصانيف ومجاميع وكان أحد ندماء المعتضد المختصين به فأنكر منه بعض شأنه فأذاقه حمامه وكان قد ولي الحسبة يوم الاثنين والمواريث يوم الثلاثاء وسوق الرقيق يوم الأربعاء لسبع خلون من شهر رجب سنة اثنتين وثمانين ومائتين وفي يوم الإثنين لخمس خلون من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين غضب عليه المعتضد وضرب مائة سوط وحول إلى المطبق وفي سنة ست وثمانين مات . قيل إنه دعا الخليفة المعتضد إلى الإلحاد فقال له : يا هذا أنا ابن عمّ صاحب هذه الشريعة وأنا الآن منتصبٌ منصبه فألحد حتى أكون من ؟ قال المعتضد : كان قال لي أحمد بن الطيب : إن الخلفاء لا تغضب وإذا غضبت لم ترض فعاملته بذلك . وقال له : لك سالف خدمة فاختر أي قتلةٍ تحب أن أقتلك قال : أختار أن تطعمني اللحم المكبّب وتسقيني الشراب العتيق حتى أسكر وتفصدني في يدي ففعل به ذلك . وظن أحمد أن دمه إذا انقطع مات في الحال بغير ألم فانعكس عليه ذلك فنزف دمه وبقي معه بقية وغلبت عليه الصفراء وصار كالمجنون يضرب برأسه الحيطان ويصيح ويستغيث لفرط الألم ويعدو في محبسه ساعاتٍ كثيرة فبلغ ذلك المعتضد فقال : هو الذي اختار هذا .
وكان لأحمد مجلس يجتمع إليه الناس ويبحثون معه فسأله يوماً المعتضد عما جرى له في ذلك المجلس فقال : يا أمير المؤمنين مرَّ بي فيه اليوم أمر ظريف دخل إليَّ في جملة الناس رجل لا أعرفه له رواء وهيبة وتوسمت أنه من أهل المعرفة وقعد لا ينطق من أول المجلس إلى آخره فلما انصرف الناس لم ينصرف فقلت له : ألك حاجة ؟ قال : نعم تخلي لي نفسك فأبعدت غلماني وبقيت وحدي فقال : أنا رجل أرسلني الله إلى هذا البشر وقد بدأت بك لفضلك وأمّلت أن أجد عندك معونة فقلت له : يا هذا أما علمت أني مسلم أعتقد أنه لا نبوة بعد رسول الله A ؟ فقال : علمت ذلك وما جئتك إلا ببرهان ومعجزة هل لك في الوقوف على معجزتي ؟ فأردت أن أعلم كلَّ ما عنده فقلت له : هاتها فقال : تحضرني سطلاً فيه ماء فأحضرت ذلك فأخرج من كمه حجرين أصمين أشد ما يكون من الحجارة فقال : خذهما فأخذتهما فقال : ما هما ؟ فقلت حجران فقال لي : رم كسرهما فرمت ذلك فتعذّر لشدة صلابتهما فقال : ضعهما بيدك في السطل وغطه بمنديل ففعلت من حيث لم يتولَّ هو شيئاً من الأمر ولا قرب من السطل وأقبل يحدثني فوجدته ممتعاً كثير الحديث سديد العبارة حسن البيان صحيح النقل لا أنكر منه شيئاً فلما طال الأمر قلت له : فأي شيء بعد هذا ؟ فقال : أخرج لي الحجرين فكشفت السطل وطلبتهما فلم أجدهما وتحيرت وقلت له : ليس في السطل شيء فقال : أما في هذا إعجاز ؟ فقلت له : بقيت عليك واحدة وهي أنني آتيك بحجرين من عندي فقال لي : وهكذا قال أصحاب موسى له إذ جاءهم بعصاه نريد أن تكون هذه العصا من عندنا فتوقفت عن جوابه لأفكر فيه فقام وقال لي : فكّر في أمرك وأعود إليك فندمت على تركه بعد انصرافه وأمرت غلماني فتتبعوه في كل طريق فلم يجدوه . قال القاسم بن عبيد الله قال لي المعتضد : أتدري ما أراد أحمد بن الطيب لعنه الله بهذا الحديث ؟ فقلت : لا يا أمير المؤمنين فقال : إنما أراد أن سبيل موسى عليه السلام في العصا سبيل هذا الرجل في الحجرين وأن الجميع بحيلة فأحسست بما ذهب إليه وكان ذلك من أكبر ما نقمه عليه المعتضد .
وفيه يقول أبو أحمد يحيى بن عليّ النديم : .
يا من يصلي رياء ... ويظهر الدين سمعه .
وليس يعبد رباً ... ولا يدين بشرعه .
قد كنت عطلت دهراً ... فكيف أسلمت دفعه .
لو ظلت في كل يومٍ ... مصلياً ألف ركعه .
وصمت دهرك لا مف ... طراً لعيدٍ وجمعه .
ما كنت في الكفر إلا ... كالنار في رأس تلعه .
تقرا القران ولو تس ... طيع فرَّقت جمعه .
وإن سمعت بحقٍّ ... حاولت بالزّور دفعه .
قل لي أبعد اتباع ال ... كنديّ تعمر ربعه .
وتستقي الكفر منه ... ولا تحاذر شنعه