أحمد بن داود بن ونند أبو حنيفة الدينوري أخذ عن البصريين والكوفيين وأكثر عن ابن السكيت وكان نحوياً لغوياً مهندساً منجماً حاسباً راوية ثقة فيما يرويه ويحكيه وتوفي في جمادى الأولى سنة اثنين وثمانين ومائتين وقيل سنة تسعين وقيل سنة إحدى وثمانين قال ياقوت في معجم الأدباء : قال أبو حيان في كتاب تقريظ الجاحظ ومن خطه الذي لا أرتاب به نقلت قال : قلت لأبي محمد الأندلسي - يعني عبد الله بن حمود الزبيدي وكان من عداد أصحاب السيرافي - : قد اختلف أصحابنا في مجلس أبي سعيد السيرافي في بلاغة الجاحظ وأبي حنيفة صاحب النبات ووقع الرضا بحكمك فما قولك ؟ فقال : أنا أحقر نفسي عن الحكم لهما وعليهما فقيل : لا بد من قول قال : أبو حنيفة أكثر بداوة وأبو عثمان أكثر حلاوة ومعاني أبي عثمان لائطة بالنفس سهلة في السمع ولفظ أبي حنيفة أغرب وأعذب وأدخل في أساليب العرب قال أبو حيان : والذي أقوله وأعتقده وآخذ به وأستهام عليه أني لم أجد في جميع من تقدم وتأخر ثلاثة لو اجتمع الثقلان على تقريظهم ومدحهم ونشر فضائلهم في أخلاقهم وعلمهم ومصنفاتهم ورسائلهم مدى الدنيا إلى أن يأذن الله بزوالها لما بلغوا آخر ما يستحقه كل واحد منهم أحدهم هذا الشيخ الذي أنشأنا له هذه الرسالة وبسببه جشمنا هذه الكلفة أعني أبا عثمان عمرو بن بحر والثاني أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري فإنه من نوادر الرجال جمع بين حكمة الفلاسفة وبيان العرب له في كل فن ساق وقدم ورواء وحكم وهذا كلامه في الأنواء يدل على حظ وافر من علم النجم وأسرار الفلك فأما كتابه في النبات فكلامه فيه في عروض كلام أبدى بدوي وعلى طباع أفصح عربي ولد قيل لي : إنه له كتاب يبلغ ثلاثة عشر مجلداً في القرآن ما رأيته وإنه ما سبق إلى ذلك النمط هذا مع ورعه وزهده وجلالة قدره ولقد وقف الموفق عليه وسأله وتحفى به والثالث أبو زيد أحمد بن سهل البلخي فإنه لم يتقدم له شبيه في الأعصر الأولى ولا يظن أنه يوجد له نظير في مستأنف الدهر ومن تصفح كلامه في كتاب أقسام العلوم وفي كتاب أخلاق الأمم وفي نظم القرآن وفي كتاب اختيار السير وفي رسائله إلى إخوانه وجوابه عما يسأل عنه ويبده به علم أنه بحر البحور وأنه عالم العلماء ونما رثي في الناس من جمع بين الحكمة والشريعة سواه وإن القول فيه لكثير ولو تناصرت إلينا أخبارهما لكنا نحب أن نفرد لكل منهما تقريظاً مقصوراً عليه وكتاباً منسوباً إليه كما فعلنا بأبي عثمان . قال ياقوت : قرأت في كتاب ابن فورجة المسمى بالفتح على أبي الفتح في تفسير قول المتنبي : .
فدع عنك تشبيهي بما وكأنه ... فما أحد فوقي وما أحد مثلث .
وقال فيه ما لم يرضه ابن فورجة ونسبه إلى أنه سأل عنه أبا الطيب فأجاب بهذا الجواب فأورد ابن فورجة هذه الحكاية : زعموا أن أبا العباس المبرد ورد الدينور زائراً لعيسى بن ماهان فأول ما دخل عليه وقضى سلامه قال له عيسى : أيها الشيخ ما الشاة المجثمة التي نهى النبي A عن أكل لحمها ؟ فقال : هي الشاة القليلة اللبن مثل اللجبة فقال : هل من شاهد ؟ قال : نعم قول الراجز : .
لم يبق من ل الحميد نسمه ... إلا عنيز لجبة مجثمه .
فإذا بالحاجب يستأذن لأبي حنيفة الدينوري فلما دخل قال له : أيها الشيخ ما الشاة المجثمة التي نهينا عن أكل لحمها ؟ فقال : هي التي جثمت على ركبها وذبحت من خلف قفاها فقال : كيف تقول وهذا شيخ أهل العراق - يعني المبرد - يقول : هي مثل اللجبة وهي القليلة اللبن وأنشده الشاهد فقال أبو حنيفة : أيمان البيعة تلزم أبا حنيفة إن كان هذا التفسير سمعه هذا الشيخ أو قرأه وإن كان البيتان إلا لساعتهما هذه فقال المبرد : صدق الشيخ أبو حنيفة فإنني أنفت أن أرد عليك من العراق وذكري ما قد شاع فأول ما تسألني عنه لا أعرفه فاستحسن منه هذا الإقرار وترك البهت قال بان فورجة : وأنا أحلف بالله العي إن كان أبو الطيب قط سئل عن هذا البيت فأجاب بهذا الجواب الذي حكاه ابن جني وإن كان إلا متزيداً مبطلاً فيما يدعيه عفا الله عنه فالجهل والإقرار به أحسن من هذا