أحمد بن الحسن أمير المؤمنين الإمام الناصر لدين الله أبو العباس ابن الإمام المستضيء ابن الإمام المستنجد ولد يوم الاثنين عاشر رجب سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة وبويع له في أول ذي القعدة سنة خمس وسبعين وتوفي سلخ رمضان سنة اثنتين وعشرين وست مائة وكانت خلافته سبعاً وأربعين سنة . وكان أبيض اللون تركي الوجه مليح العينين أنور الجبهة اقنى الأنف خفيف العارضين أشقر اللحية رقيق المحاسن . نقش خاتمه رجائي من الله عفوه أجاز له أبو الحسين عبد الحق اليوسفي وأبو الحسن علي بن عساكر والبطائحي وشهدة وجماعة وأجاز هو لجماعة من الكبار فكانوا يحدثون عنه في حياته ويتنافسون في ذلكن وما غرضهم العلو ولا الإسناد وإنما غرضهم التفاخر وإقامة الشعار والوهم . ولم يل الخلافة أحد أطول مدة منه إلا ما ذكر عن العبيديين فإنه بقي الأمر بديار مصر للمستنصر نحواً من ستين سنة وكذا بقي الأمير عبد الرحمن أبو الحكم الأندلسي . وكان أبوه المستضيء قد تخوفه فاعتقله ومال إلى أخيه أبي منصور وكان ابن العطار وأكثر الدولة وحظية المستضيء بنفشا والمجد ابن الصاحب مع أبي منصور ونفر يسير مع أبي العباس فلما بويع أبو العباس قبض على ابن العطار وسلمه إلى المماليك فخرج بعد سبعة أيام ميتاً وسحب في الأسواق وتمكن المجد ابن الصاحب وزاد وطغى إلى أن قتل . قال عبد اللطيف : وكان الناصر شاباً مرحاً عنده ميعة الشباب يشق الدروب والأسواق أكثر الليل والناس يتهيبون لقاءه . وظهر التشيع بسبب ابن الصاحب ثم انطفى بهلاكه وظهر التسنن المفرط ثم زال وظهرت الفتوة والبندق والحمام الهادي وتفنن الناس في ذلك ودخل فيه الأجلاء ثم الملوك فألبسوا الملك العادل وأولاده سرارويل الفتوة وألبسوا شهاب الدين الغوري ملك غزنة والهند وصاحب كيش وأتابك سعد صاحب شيراز والملك الظاهر صاحب حلب وتخوفوا من السلطان طغريل وجرت بينهم حروب وفي الآخر استدعوا تكش لحربه وهو خوارزم شاه فالتقى معه على الري واجتز رأسه وسيره إلى بغداذ وكان الناصر قد خطب لولده الأكبر أبي نصر بولاية العهد ثم ضيق عليه لما استشعر منه وعين أخاه ثم ألزم أبا نصر بأن أشهد على نفسه أنه لا يصلح وأنه قد نزل عن الأمر وأكبر الأسباب في نفور الناصر من ولده الوزير نصير الدين ابن مهدي العلوي ولم يزل الإمام الناصر مدة حياته في Dالة وقمع الأعداء والاستظهار على الملوك لم يجد ضيماً ولا خرج عليه خارجي إلا قمعه ولا مخالف إلا دمغه ومن أضمر له سوءاً رماه الله بالخذلان . قال محب الدين ابن النجار : حدثين حماد بن أبي البركات الفتح وكان صدوقاً متديناً قال : حدثني الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب الشام وديار مصر وكنت قد دخلت عليه وأعطيته مكتوباً من الديوان قال : وصل إلينا من عندكم رجل يعرف بأبي رشيد ابن أبي منصور البوشنجي واتصل بخدمتنا وصار له اختصاص بنا وتقرب إلينا وحسن حاله فأرسلته إلى الديوان العزيز في رسالة فمضى وعاد وأنا نازل على صور من ساحل الشام محاصر لها فاتصل بنا إلى العسكر وأدى جواب الرسالة فقلت له : كيف تركت أمير المؤمنين ؟ فأجاب بما لا يجوز التفوه به وظن أن ذلك يسرني فزبرته ونهيته عن ذلك وقلت له : هذا بيت مؤيد محروس من الله من قصده بسوء عاد عليه ثم إنه خرج متوجهاً إلى الموضع الذي فيه رحله فلما فارقناه قليلاً أتاه سهم غرب فيه ياسيج فدخل في صدره وخرج من ظهره وخر صريعاً في الحال وحمل إلى رحله وتسابق الغلمان إلي بالحال فعجبت من تعجيل الله سبحانه عقوبته انتهى . وكان الإمام الناصر شديد الاهتمام بالملك ومصالحه لا يكاد يخفى عليه شيء من أمور رعيته كبارهم وصغارهم وأصحاب أخباره في أقطار البلاد يوصلون إليه أحوال الملوك الظاهرة والباطنة وكانت له حيل لطيفة ومكايد خفية وخدع لا يفطن لها أحد يوقع الصداقة بين ملوك متعادين ويوقع العداوة مع ملوك متفقين وهم لا يشعرون . ولما دخل رسول صاحب مازندران بغداذ كان يتيه ورقة كل صباح بما عمل في الليل وصار يبالغ في الكتم والورقة تأتيه فاختلى ليلة بامرأة دخلت إليه من باب السر فصبحته الورقة بذلك وفيها كان عليكم دواج فيه صورة الفيلة فتحير وخرج من بغداذ وهو لا يشك أن الخليفة يعلم الغيب لأن الإمامية يعتقدون أن الإمام المعصوم يعلم ما في الحامل وما وراء الجدار وأتى رسول خوارزم