نصير أبو عبد الله الطوسي الفيلسوف صاحب علوم الرياضي والرصد كان رأسا في علم الأوائل لا سيما في الأرصاد والمجّسطي فأنه فاق الكبار قرأ على المعين سالم بن بدران المصري المعتزلي الرافضي وغيره وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة علية عند هولاكو وكان يعطيه فيما يشير به عليه والأموال في تصريفه فابتنى بمدينة مراعة قبّة ورصدا عظيما واتخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الأرجاء وملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة حتى تجمّع فيها زيادة على أربع مائة ألف مجلد وقررّ بالرصد بالمنجّمين والفلاسفة والفضلاء وجعل لهم الجامكية وكان حسن الصورة سمحاً كريماً جوداً حليماً حسن العشرة غزير الفضايل جليل القدر داهية حكى لي أنه لما أرد العمل للرصد رأى هولاكو ما ينصرف عليه فقال له : هذا العلم المتعلق بالنجوم ما فائدته أيدفع ما قدر أن يكون فقال أنا أضر لمنفعته مثالاً ألقان يأمر من يطلع إلى أعلى هذا المكان ويدعه يرمي من أعلاه طست نحاس كبيراً من غير أن يعلم به أحد ففعل ذلك فلما وقع ذب كانت له وقعة عظيمة هائلة روعت كل من هناك وكاد بعضهم يصعق وأما هو وهولاكو فإنهما ما تغير عليهما شيء لعلمهما بأن ذلك يقع فقال له : هذا العلم النجومي له هذه الفائدة يعلم المتحدث فيه ما يحدث فلا يحصل له من الروعة والاكتراث ما يحصل للذاهل الغافل عنه فقال لا بأس بهذا وأمره بالشروع فيه أو كما قيل ومن دهائه ما حكى لي أنه حصل له غضب علي علاء الدين الجويني صاحب الديوان فيما أظن فأمر بقلته فجاء أخوه إليه وذكر له وطلب منه إبطال ذلك فقال هذا القان وهؤلاء القوم إذا أمروا بأمر ما يمكن رده خصوصاً إذا برز إلى الخارج فقال له لا بد من الحيلة في ذلك فتوجه إلى هولاكو وبيده عكاز وسبحة واسطرلاب وخلفه من يحمل مبخرة وبخوراً والنار تضرم فرآه خاصة هولاكو الذين على باب المخيم فلما وصل أخذ يزيد في البخور ويرفع الاسطرلاب ناظراً فيه ويضعه فلما رأوه يفعل ذلك دخلوا إلى هولاكو واعلموه وخرجوا إليه فقالوا ما الذي أوجب هذا فقال القان أين هو قالوا له جواً قال طيب معافى موجود في صحة قالوا نعم فسجد شكراً لله تعالى وقال لهم طيب في نفسه قالوا نعم وكرر هذا وقال أريد أرى وجهه بعيني إلى أن دخلوا إليه واعلموه بذلك وكان وقت لا يجتمع فيه به أحد فأمر بادخاله فلما رآه سجد وأطال السجود فقال له ما خبرك قال اقتضي الطالع في هذا الوقت أن يكون على القان فظع عظيم إلى الغاية فقمت وعملت هذا وبخرت هذا البخور ودعوت بأدعية أعرفها اسأل الله صرف ذلك عن القان يتعين الآن أن القان يكتب إلى سائر مماليكه ويجهز الألجية في هذه الساعة إلى ساير المملكة بإطلاق من في الاعتقال والعفو عمن له جناية أو أمر بقتله لعل الله يصرف هذا الحادث العظيم ولو لم أر وجه القان ما صدقت فأمر هولاكو في ذلك الوقت بما قال وأطلق صاحب الديوان في جملة الناس ولم يذكره النصير الطوسي وهذا غاية في الدهاء بلغ به مقصده ودفع عن الناس أذاهم وعن بعضهم إزهاق أرواحهم ومن حلمه ما وقفت له على ورقة حضرت إليه من شخص من جملة ما فيها يقول له يا كلب يا ابن الكلب فكان الجواب وأما قوله كذا فليس بصحيح لأن الكلب من ذوات الأربع وهو نابح طويل الأظفار وأنا فمنتصب القامة بادي البشرة عريض الأظفار ناطق ضاحك فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص وأطال في نقض كل ما قاله هكذا برطوبة وتأن غير منزعج ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة ورأيت له شعراً كتبه لكمال الدين الطوسي على مصنف صنفه المذكور وهو نظم منحط ومن تصانيفه كتاب المتوسطات بين الهندسة والهيئة وهو جيد إلى الغاية ومقدمة في الهيئة وكتاباً وضعه للنصيرية وأنا أعتقد أنه ما يعتقده لأن هذا فيلسوف وأولئك يعتقدون آلهية على واحتصر المحصل للإمام فخر الدين وهذبه وزاد فيه وشرح الإشارات ورد فهي على الإمام فخر الدين في شرحه وقال هذابه جرح وما هو شرح قال فيه إني حررته في عشرين سنة وناقض فخر الدين كثيراً ولقد ذكره قاضي القضاة جلال الدين القزويني C يوماً وأنا حاضر وعظمه أعني الشرح فقلت يا مولانا ما عمل شيئاً لإنه أخذ شرح الإمم وكلام سيف الدين الآمدي وجمع بينهما وزاده يسيراً فقال ما أعرف للآمدي في الإشارات شيئاً قلت نعم كتاب صنفه وسماه كشف التمويهات عن الإشارات