لا تعجبوا مما ترون فإنما ... هذي السماء لرحمتي تبكي .
ومنه قوله : .
ما دميةٌ في مرمرٍ صورت ... وظبيةٌ في خمر عاطف .
أحسن منها يوم قالت لنا ... والدمع من مقلتها ذارف .
لأنت أحلى من لذيذ الكرى ... ومن أمانٍ ناله خائف .
ومنه قول : .
أأخي إن أخاك مذ فارقته ... شوقاً إليك فؤاده يتقطع .
يشكو جفاءك معلناً بلسانه ... وفؤاده من خوف غدرك يوجع .
ويقول معتذراً إلى من لامه : ... إن الشقيق بسوء ظن مولع .
اسلم وكن لي كيف شئت على النوى ... مهما فعلت فلست ممن يقطع .
ومنه قوله : .
يا قلب أنت وطرفي ... شغلي ودائي وحتفي .
موتاً فلا كان إلفٌ ... يعين في قتل إلف .
هذا فعالي بنفسي ... أخذت حتفي بكفي .
أنا الضعيف على الهج ... رِ فارحموا ذل ضعفي .
من ضعف ركني أني ... ليث فريسة خشف .
توفي إبراهيم بن المدبر ببغداذ سنة تسع وسبعين ومائتين وولد سنة إحدى عشرة ومائتين .
ابن المهدي .
إبراهيم بن محمد أبو إسحاق أمير المؤمنين المبارك ابن المهدي العباسي الأسود الملقب بالتنين لسمنه وكان فصيحاً مفوهاً بارع الأدب والشعر بارعاً إلى الغاية في الغناء ومعرفة الموسيقى وأمه اسمها شكلة روى عن المبارك بن فضالة وحماد بن يحيى الأبح ولي إمرة دمشق سنتين ثم أربع سنين لم يقطع على أحد في عمله طريق وبويع بالخلافة زمن المأمون وقاتل ابن سهل وهزمه إبراهيم فتوجه نحوه حميد الطوسي فقاتله فهزمه حميد واستخفى إبراهيم زماناً حتى ظفر به المأمون وحديثه في ذلك مشهور فعفا عنه وأورد صاحب الأغاني وغيره من ذلك جملة . وكان أسود حالكاً عظيم الجثة لم ير في أولاد الخلفاء قبله أفصح منه ولا أجود شعراً . ولد سنة اثنتين وستين ومائة وتوفي C في شهر رمضان سنة ربع وعشرين ومائتين وكان قد غلب على بغداذ والكوفة والسواد فلما قارب المأمون العراق ضعف أمر إبراهيم وركب بأبهة الخلافة إلى المصلى يوم النحر وصلى بالناس وهو ينظر إلى عسكر المأمون ثم انصرف من الصلاة وأطعم الناس بقصر الرصافة ثم استتر وانقضى أمره وظفر به المأمون سنة عشر وعفا عنه وبقي مكرماً إلى أن مات . ويقال إنه ما اجتمع غناء أخٍ وأختٍ أحسن من إبراهيم وأخته علية ابني المهدي وله ترجمة طويلة في تاريخ دمشق تكون في سبع عشرة قائمة . وكان سبب ولايته الخلافة أن المأمون لما كان بخراسان جعل ولي عهده علي بن موسى بن علي الرضي فشق ذلك على العباسيين ببغداذ وبايعوا إبراهيم ولقبوه المبارك لخمس بقين من ذي الحجة سنة إحدى ومائتين وبايعه العباسيون في الباطن ثم بايعه أهل بغداذ في أول يوم من المحرم سنة اثنتين وأظهروا ذلك وصعد المنبر ثم إن إبراهيم اختفى لذلك لثلاث عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين ونظم فيه دعبل الخزاعي : .
نفر ابن شكلة بالعراق وأهله ... فهفا إليه كل أطلس مائق .
إن كان إبراهيم مضطلعاً بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق .
ولتصلحن من بعد ذاك لزلزلٍ ... ولتصلحن من بعده للمارق .
أنى يكون وليس ذاك بكائن ... يرث الخلافة فاسقٌ عن فاسق .
ولما ظفر المأمون به شاور فيه أحمد بن أبي خالد الوزير الأحول فقال : يا أمير المؤمنين إن قتلته فلك نظراء وإن عفوت فما لك نظير . وقال إبراهيم : قال لي المأمون وقد دخلت عليه بعد العفو عني : أنت الخليفة الأسود فقلت : يا أمير المؤمنين أنا الذي مننت عليه بالعفو وقد قال عبد بني الحسحاس : .
أشعار عبد بني الحسحاس قمن له ... عند الفخار مقام الأصل والورق .
إن كنت عبداً فنفسي حرة كرماً ... أو أسود اللون إني أبيض الخلق .
فقال لي : يا عم أخرجك الهزل إلى الجد وأنشد : .
ليس يزري السواد بالرجل الشه ... م ولا بالفتى الأديب الأريب .
إن يكن للسواد فيك نصيب ... فبياض الأخلاق منك نصيبي .
ومن شعر إبراهيم بن المهدي :