إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري المعروف بالنظام بالظاء المعجمة المشددة قالت المعتزلة : إنما لقب بذلك لحسن كلامه نظماً ونثراً وقال غيرهم : إنما سمي بذلك لأنه كان ينظم الخرز بسوق البصرة ويبيعها . وكان ابن أخت أبي الهذيل العلاف شيخ المعتزلة وكان إبراهيم هذا شديد الذكاء حكي أنه أتى أبو الهذيل العلاف إلى صالح بن عبد القدوس وقد مات له ولد وهو شديد التحرق عليه ومعه النظام وهو حدث فقال له أبو الهذيل : لا أعرف لتحرقك وجهاً إذ كان الناس عندك كالزرع فقال : إنا أجزع عليه لأنه لم يقرأ كتاب الشكوك فقال : وما هو ؟ قال : كتاب وضعته من قرأه شك فيما كان حتى يتوهم فيما كان أنه لم يكن وفيما لم يكن حتى يظن أنه كان فقال النظام : فشك أنت في موت ابنك واعمل على أنه لم يمت أو أنه عاش وقرأ هذا الكتاب ولم يمت لا بعد ذلك فبهت صالح وحصر . ويحكى عنه أيضاً أنه أتي به إلى الخليل ابن أحمد فيما أظن ليتعلم البلاغة فقال له : ذم هذه النخلة ! .
فذمها بأحسن كلام فقال له : امدحها ! .
فمدحها بأحسن كلام فقال : اذهب فما لك إلى التعليم من حاجة . وقال ابن أبي الدم قاضي حماة وغيره في كتب الملل والنحل إن النظام كان في حداثته يصحب الثنوية وفي كهولته يصحب ملاحدة الفلاسفة فطالع كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة وصار رأساً في المعتزلة وإليه تنسب الطائفة النظامية . ووافق المعتزلة في مسائلهم وانفرد عنهم بمسائل أخرى : منها أن الله تعالى لا يوصف بالقدرة على الشر والمعاصي وقال المعتزلة : هو قادر عليها لكنه لا يفعلها لقبحها .
ومنها أن الله تعالى إنما يقدر على فعل ما علم أن فيه صلاح العباد هذا بالنظر إلى أحكام هذه الدنيا وما في الآخرة فلا يوصف بالقدرة على زيادة عذاب أهل النار ولا ينقص منه شيئاً ولا يقدر على أن يخرج أحداً من الجنة .
ومنها أنه نفى إرادة الله تعالى حقيقةً فإذا قيل إنه مريد لأفعال العباد فالمراد أنه أمر بها وعنه أخذ هذا المذهب أبو القاسم الكعبي .
ومنها أنه وافق الفلاسفة على أن الإنسان حقيقة هو النفس والبدن قالبها ثم إنه قصر عن إدراك مذهب الفلاسفة فمال إلى قول الطبيعيين فقال : الروح جسم لطيف مشابك للبدن داخل بأجزائه فيه كالدهن في السمسم والسمن في اللبن .
ومنها أنه وافق الفلاسفة في نفي الجزء الذي لا يتجزأ وما أ ؛ سن قول ابن سناء الملك : .
ولو عاين النظام جوهر ثغرها ... لما شك فيه أنه الجوهر الفرد .
ولما ألزم النظام مشي نملةٍ على صخرة من طرف إلى طرف أنها قطعت ما لا يتناهى وهي متناهية فكيف يقطع ما يتناهى ما لا يتناهى أحدث القول بالطفرة وقال : تقطع النملة بعض الصخرة بالمشي وبعضها بالطفرة واستدل على ذلك بأدلة كثيرة مذكورة في كتب الأصول منها أنا لو فرضنا بئراً طولها مائة ذراع وفي وسطها خشبة معترضة ثابتة وفي الخشبة حبل مشدود من الخشبة إلى الماء يكون طول الحبل خمسون ذراعاً وفي رأس الحبل دلوٌ مربوط فإذا ألقي من رأس البئر إلى الخشبة المذكورة حبلٌ طوله خمسون ذراعاً في رأسه علاقٌ فجر به الحبل المشدود في الخشبة فإن الدلو يصعد إلى رأس البئر بالحبل الأعلى الذي فيه العلاق وطوله خمسون ذراعاً ويقطع مائة ذراع في زمان واحد وليس ذلك إلا أن البعض انقطع بالطفرة فضرب المثل بهذه المسألة فقيل : طفرة النظام فإنها ضحكة وقد أجاب الأصحاب عن هذه المسألة بأن الطفرة قطع مسافةٍ قطعاً ولكن الفرق بين المشي والطفرة راجعٌ إلى بطءٍ وسرعة .
ومنها أنه قال : إن الجوهر مؤلف من أعراض اجتمعت وإن الألوان والطعوم والروائح أجسام . ومنها أن الله تعالى خلق جميع الحيوانات دفعةً واحدةً على ما هي عليه الآن حيوانات وإنس ونبات ومعادن ولم يتقدم خلق آدم على خلق أولاده ولكن الله أكمن بعضها في بعض فالتقدم والتأخر إنما يقع في ظهورها من مكانها لا في حدوثها وهذه المسألة أخذها من أصحاب الكمون والظهور وأكثر ميل النظام إلى مذاهب الطبيعيين دون الإلهيين .
ومنها أن القرآن ليس إعجازه منم جهة فصاحته وإنما إعجازه بالنظر إلى الأخبار عن الأمور الماضية والمستقبلة قلت : وهذا ليس بشيء لأن الله تعالى أمره أن يتحدى العرب بسورة من مثله وغالب السور ليس فيها أخبار عن ماضٍ ولا مستقبل فدل على أن العجز كان عن الفصاحة