محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الشيخ الإمام الحافظ العلامة فريد العصر وشيخ الزمان وإمام النحاة أثير الدين أبو حيان الغرناطي قرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث بجزيرة الأندلس وبلاد إفريقية وثغر الاسكندرية وديار مصر والحجاز وحصل الإجازات من الشام والعراق وغي ذلك واجتهد وطلب وحصل وكتب وقيد ولم أر في أشياخي أكثر اشتغالاً منه لأني لم أره إلا يسمع أو يشتغل أو يكتب ولم يكتب ولم أره على غير ذلك وله إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم نظم ونثر وله الموشحات البديعة وهو ثبت فيما ينقله محرر لما يقوله عارف باللغة ضابط لألفاظها وأما النحو والتصريف فهو إمام الدنيا فيهما لم يذكر معه في أقطار الأرض غيره في العربية وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم خصوصاً المغاربة وتقييد أسمائهم على ما يتلفظون به من إمالة وترخيم وترقيق وتفخيم لأنهم مجاورو بلاد الفرنج وأسماؤهم قريبة وألقابهم كذلك كل ذلك قد جوده وقيده وحرره والشيخ شمس الدين الذهبي له سؤالات سأله عنها فيما يتعلق بالمغاربة وأجابه عنها وله التصانيف التي سارت وطارت وانتشرت وما انتثرت وقرئت ودريت ونسخت وما فسخت أخملت كتب الأقدمين وألهت المقيمين بمصر والقادمين وقرأ الناس عليه وصاروا أئمة وأشياخاً في حياته وهو الذي جسر الناس على مصنفات الشيخ جمال الدين ابن مالك C ورغبهم في قراءتها وشرح لهم غامضها وخاض بهم لججها وفتح لهم مقفلها وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب C تعالى : هذه نحو الفقهاء والتزم أن لا يقرئ أحداً إلا إن كان في سيبويه أو في التسهيل لابن مالك أو في تصانيفه ولما قدم البلاد لازم الشيخ بهاء الدين ابن النحاس C كثيراً وأخذ عنه كتب الأدب وهو شيخ حسن العمة مليح الوجه ظاهر اللون مشرباً حمرة منور الشيبة كبير اللحية مسترسل الشعر فيها لم تكن كثة عبارته فصيحة لغة الأندلس يعقد القاف قريباً من الكاف على أنه ينطق بها في القرآن فصيحة وسمعته يقول : ما في هذه البلاد من يعقد حرف القاف وكان له خصوصية بالأمير سيف الدين أرغون الدوادار الناصري نائب السلطان بالممالك الاسلامية ينبسط معه ويبيت عنده ولما توفيت ابنته نضار طلع إلى السلطان الملك الناصر وسأل منه أن يدفنها في بيتها داخل القاهرة فأذن له في ذلك وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى وكان أولاً يرى رأي الظاهرية ثم إنه تمذهب للشافعي Bه وتولى تدريس التفسير بالقبة المنصورية والإقراء بالجامع الأقمر وقرأت عليه الأشعار الستة والمقامات الحريرية وحضرها جماعة من أفاضل الديار المصرية وسمعوها بقراءتي عليه وكان بيده نسخة صحيحة يثق بها وبيد الجماعة قريب من اثنتي عشرة نسخة وإحداهن بخط الحريري ووقع منه ومن الجماعة في أثناء القراءة فوائد ومباحث عديدة وقال : لم أر بعد ابن دقيق العيد أفصح من قراءتك ولما وصلت المقامة التي أورد الحريري فيها الأحاجي قال : ما أعرف مفهوم الأحجية المصطلح عليها بين أهل الأدب فأخذت في إيضاح ذلك وضرب الأمثلة له فقال لي : لا تتعب معي فإني تعبت مع نفسي في معرفة ذلك كثيراً وما أفاد ولا ظهر لي وهذا في غاية الإنصاف منه والعدالة لاعترافه لي في ذلك الجمع وهم يسمعون كلامه بمثل ذلك . وقرأت عليه أيضاً سقط الزند لأبي العلاء وقرأت عليه بعض الحماسة لأبي تمام الطائي ومقصورة ابن دريد وغير ذلك وسمعت من لفظه كتاب تلخيص العبارات بلطيف الإشارات في القراءات السبع لابن بليمة وسمعت عليه كتاب الفصيح لثعلب بقراءة القاضي شهاب الدين ابن فضل الله بالقاهرة وسمعت من لفظه خطبة كتابه المسمى ب ارتشاف الضرب من لسان العرب وانتقيت ديوانه وكتبته وسمعته منه وسمعت من لفظه ما اخترته من كتابه مجاني الهصر وغير ذلك أنشدني من لفظه لنفسه : .
سبق الدمع بالمسير المطايا ... إذ نوى من أحب عني نقله .
وأجاد السطور في صفحة الخ ... د ولم لا يجيد وهو ابن مقله .
وأنشدني أيضاً في صفات الحروف : .
أنا هاو لمستطيل أغن ... كلما اشتد صارت النفس رخوه .
أهمس القول وهو يجهر سبي ... وإذا ما انخفضت أظهر علوه