محمد بن هارون أمير المؤمنين أبو عبد الله الأمين ابن أمير المؤمنين الرشيد ابن المهدي كان ولي العهد بعد أبيه وكان من أحسن الشباب صورة أبيض طويلاً ذا قوة مفرطة وبطش وشجاعة معروفة وفصاحة وأدب وفضل وبلاغة لكن سيء الرأي كثير التبذير أرعن لا يصلح للإمارة ومن قوته يقال إنه قتل أسداً بيديه قال المسعودي : ولم يل الخلافة إلى وقتنا هذا هاشمي ابن هاشمية سوى الحسن وأبيه علي بن أبي طالب Bه والأمين لأنه ابن زبيدة وهي أم جعفر بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور عاش سبعاً وعشرين سنة وآخر أمره خلع ثم أسر وقتل صبراً في المحرم سنة تسع وتسعين ومائة وطيف برأسه لأنه في سنة خمس وتسعين خلع المأمون أخاه وعقد الولاية لولده موسى وهو طفل وبلغ ذلك المأمون فتسمى بإمام المؤمنين وكوتب بذلك وعقد الأمين لعلي بن عيسى بن ماهان على بلاد الجبال وهمذان ونهاوند وقم وأصبهان وأمر له فيما قيل بمائتي ألف دينار وأعطى لجنده مالاً عظيماً وفرق الأمين على أهل بغداذ ثلاثة آلاف ألف درهم وشخص علي من بغداذ ومعه قيد فضة ليقيد به المأمون بزعمه وسار معه الأمين إلى النهروان وعرض الجند الذين جهزهم مع ابن ماهان فلقيه طاهر بن الحسين من قبل المأمون وهو في أقل من أربعة آلاف فارس فقتل ابن ماهان ولما وصل رأسه إلى المأمون سلم عليه بالخلافة في خراسان وجاء خبره إلى الأمين فقال للذي أخبره : ويك ! .
دعني فإن كوثراً صاد سمكتين وأنا إلى الآن ما صدت شيئاً وقيل إن جيش ابن ماهان كان أربعين ألفاً وندم الأمين على خلع المأمون وطمع الأمراء فيه وشغبوا جندهم بالطلب من الأمين ثم جهز عبد الرحمن بن جبلة الأنباري أمير الدينور بالعدة والقوة في عشرين ألف فارس فسار إلى همذان وضبط طرقها وحصن سورها واستعد لمحاربة طاهر فقتل عبد الرحمن وانكسر جيشه بعد حروب عظيمة وسار طاهر وقد خلت البلاد فأقام بحلوان وخندق بها على جنده ولم يزل الأمين يجهز عسكراً بعد عسكر إلى طاهر وهو ينتصر عليهم إلى أن دعا المأمون الفضل بن سهل فولاه على جميع المشرق من همذان إلى جبل سقينان والتبت طولاً ومن بحر فارس والهند إلى بحر الديلم وجرجان عرضاً وقرر له ثلاثة آلاف ألف درهم ولقبه ذا الرياستين وولى أخاه الحسن بن سهل ديوان الخراج ثم إن الأمين عفا عن الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان بعدما جرى منه ما جرى وجهزه إلى حلوان لقتال طاهر ثم إنه غدر وهرب فقتل وأتي برأسه إلى الأمين وتقدم طاهر إلى الأهواز وولي عماله على اليمامة والبحرين وتوجه إلى واسط فدخلها ووجه إلى الكوفة أحمد بن المهلب القائد وعليها يومئذ العباس بن موسى الهادي فبلغه الخبر فخلع الأمين وكتب بالطاعة لطاهر وكذلك عامل البصرة وغلب طاهر على المدائن فجهز الأمين محمد بن سليمان القائد ومحمد بن حماد البربري فكانت بينهما وبين طاهر وقعة شديدة وانهزم محمد القائد وبقي أمر الأمين كل يوم في إدبار والناس معذورون لكونه خلع أخويه المأمون والمؤتمن وأقام بدلهما ابنه موسى طفلاً رضيعاً وأما داود بن عيسى فإنه خلع الأمين وبايع للمأمون وجوه أهل الحرمين وسار في وجوه أهله إلى المأمون بمرو وأقام طاهر لا يأتيه جيش من الأمين إلا قهره وهزمه وفي سنة سبع لحق القاسم الملقب بالمؤتمن وهو أخو المأمون ومنصور بن المهدي بالمأمون وتقدم طاهر فنزل بباب الأنبار بالبستان فضاق ذرع الأمين وتفرق ما كان في يده من الأموال فأمر ببيع ما في الخزائن من الأمتعة وضرب أواني الذهب والفضة وكثرت الحرب والهدم حتى درست محاسن بغداذ وعملت فيها المراثي وطاهر مصابر الأمين وجنده حتى مل أهل بغداذ قتاله فاستأمن إلى طاهر المتوكلون للأمين بقصر صالح وسلموه القصر بما فيه ثم استأمن صاحب الشرط محمد بن عيسى فضعف ركن الأمين واستسلم داخل قصر صالح أبو العباس يوسف ابن يعقوب الباذغيسي وجماعة القواد ولما كانت وقعة هذا القصر وقع الأمين على الأكل والشرب واللهو ووكل الأمر إلى محمد بن عيسى بن نهيك وبقي يقاتل عن الأمين غوغاء بغداذ والعيارون والحرافشة فأنكوا في أصحاب طاهر وأيقن محمد بالهلاك ودام حصار بغداذ هكذا خمسة عشر شهراً وفي سنة ثمان قفر خزيمة بن خازم من كبار قواد الأمين إلى طاهر بن الحسين هو ومحمد بن علي بن عيسى بن ماهان فوثبا على جسر دجلة وقطعاه وركزا أعلامهما