وقام في الملك بعده ولده الملك المنصور أبو بكر بوصية أبيه على ما سيأتي في ترجمته C تعالى .
وكان السلطان الملك الناصر ملكاً عظيماً محظوظاً مطاعاً مهيباً ذا بطش ودهاء وحزم شديد وكيد مديد فلما حاول أمراً فانجزم عليه فيه شيء يحاوله لأنه كان يأخذ نفسه فيه بالحزم البعيد والاحتياط أمسك إلى أن مات مائة وخمسين أميراً وكان يلبس الناس على علاتهم ويصبر الدهر الطويل على الإنسان وهو يكرهه تحدث مع أرغون الدوادار في إمساك كريم الدين الكبير قبل القبض عليه بأربع سنين وهمّ بإمساكك تنكز لما ورد من الحجاز سنة ثلاث وثلاثين بعد بكتمر ثم أنه أمهله ثماني سنين بعد ذلك .
وكان ملوك البلاد الكبار يهادونه ويراسلونه وكانت ترد إليه رسل صاحب الهند وبلاد أزبك وملوك الحبشة وملوك الغرب والفرنج وبلاد الأشكري وصاح باليمن .
وأما بوسعيد ملك التتار فكانت الرسل لا تنقطع بينهما ويسمي كل منهما الآخر أخاً وصارت الكلمتان واحدة والمملكتان واحدة ومراسيم السلطان تنفذ في بلاد بوسعيد ورسله يتوجهون بأطلابهم وطبلخاناتهم بأعلامهم المنشورة .
ولكما بعد الإنسان عن بلاده وجد مهابته أعظم ومكانته في القلوب أعظم .
وكان سمحاً جواداً على من يقربه ويؤثره لا يبخل عليه بشيء كائناً ما كان .
سألت القاضي شرف الدين النشو قلت : أطلق يوماً ألف ألف درهم ؟ قال : نعم كثير وفي يوم واحد أنعم على الأمير سيف الدين بشتاك بألف ألف درهم في ثمن قرية يبنى التي بها قبر أبي هريرة على ساحل الرملة وأنعم على موسى ابن مهنا بألف ألف درهم .
وقال لي : هذه ورقة فيها ما أبتاعه من الرقيق أيام مباشرتي وكان ذلك من شعبان سنة اثنتين وثلاثين إلى سنة سبع وثلاثين وسبع مائة فكان جملته أربع مائة ألف وسبعين ألف دينار مصرية كذا قال .
وكان ينعم على الأمير سيف الدين تنكز كل سنة يتوجه إليه إلى مصر وهو بالباب بما يزيد على ألف ألف درهم ولما تزوج سيف الدين قوصون بابنة السلطان وعمل عرسه حمل الأمراء إليه شيئاً كثيراً فلما تزوج الأمير سيف الدين طغاي تمر بابنة السلطان الأخرى قال السلطان : ما نعمل له عرساً لأن الأمراء يقولون : هذه مصادرة ونظر إلى طغاي تمر فرآه قد تغير فقال للقاضي تاج الدين إسحاق : يا قاضي اعمل لي ورقة بمكارمة الأمراء لقوصون فعمل ورقة وأحضرها فقال : كم الجملة ؟ قال له خمسين ألف دينار فقال : أعطيها من الخزانة لطغاي تمر وذلك خارجاً عما دخل مع الزوجة من الجهاز .
وأما عطاؤه للعرب فأمر مشهور زائد عن الحد . وكان راتبه من اللحم لمطبخه ولرواتب الأمراء والكتاب وغيرهم في كل يوم ستة وثلاثين ألف رطل لحم بالمصري وأما نفقات العمائر إلى أن مات فكان شيئاً عظيماً وبالغ في مشترى الخيول فاشترى بنت الكردا بمائتي ألف درهم وبما دونها إلى العشرة وأما العشرون والثلاثون ألفا فكثير جداً .
وغلا الجوهر في أيامه واللؤلؤ وما رأى الناس سعادة ملكه ومسالمة الأيام له وعدم حركة العادي في البر والبحر هذه المدة الطويلة من بعد شقحب إلى أن مات .
وخلف من الأولاد جماعة منهم البنون والبنات فأما البنون فمات له عقيب حضوره من الكرك في المرة الأخيرة علي ومنهم الناصر أحمد وقتل بالكرك ولإبراهيم وتوفي في حياة والده أميراً والمنصور أبو بكر وقتل بعد خلعه في قوص والأشرف كجك وقتله أخوه الكامل شعبان وآنوك وهو ابن الخوندة طغاي لم أر في الأتراك أحسن شكلاً منه وتوفي قبل والده بنصف سنة والصالح إسماعيل وتوفي بعد ملكه مصر والشام ثلاثة أعوام ويوسف وتوفي في أيام أخيه الصالح ورمضان وتوفي في أيام أخيه الصالح والكامل شعبان وخلع ثم قتل والمظفر حاجي وخلع ثم قتل وحسين والناصر حسن والملك الصالح صالح .
نوابه : زين الدين كتبغا العادل سيف الدين سلار الأمير ركن الدين بيبرس الدوادار سيف الدين بكتمر الجوكندار الكبير سيف الدين أرغون الدوادار مملوكه وبعده لم يكن له نائب .
نوابه بدمشق : الأمير عز الدين أيبك الحموي جمال الدين آقوش الأفرم شمس الدين قراسنقر سيف الدين كراي جمال الدين آقوش نائب الكرك سيف الدين تنكز علاء الدين الطنبغا