الوزير فخر الدولة أبو نصر الثعلبي مؤيد الدين ناظر ديوان حلب ووزير ميافارقين من رجالات العالم حزماً ودهاء ورأياً سعى إلى أن قدم بغداد ولى وزارة القائم بأمر الله ودامت دولته مدة ولما بويع المقتدى أقره على الوزارة واستدعاه السلطان ملكشاه فعقد له على ديار بكر وسار ومعه الأمير ارتق ابن اكسب صاحب حلوان في جماعة مع الأمراء والتركمان والأكراد ففتح ولده أبو القسم زعيم الرؤساء مدينة آمد وفتح أبوه المذكور ميافارقين وكان أخذها من ناصر الدولة واستولى على الأموال وكان مما بعث من الأموال لولده عميد الدولة وهو عند السلطان مايدة بلور دورها خمسة أشبار وقوائمها منها وزبادي وأقداح بلور وبعث إليه حقاً من ذهب فيه سبحة كانت لنصر الدولة مائة وأربعون حبة لؤلؤ وزن كل حبة مثقال وي وسطها الحبل الياقوت وقطع بلخش بما قيمته ثلاث مائة ألف دينار واستولى على أموال ديار بكر جميعها ومن عجب الاتفاق أن منجماً حضر إلى ناصر الدولة بن مروان وحكم له بأشياء وقال له يخرج على دولتك رجل أحسنت إليه فيأخذ الملك من أولادك فرفع رأسه إلى فخر الدولة وقال إن كان هذا صحيحاً فهو هذا الشيخ ثم أقبل عليه وأوصاه بأولاده فكان الأمر كما قال وكان رئيساً جليلاً خرج من بيته جماعة من الرؤساء ومدحهم أعيان الشعراء منهم أبو منصور المعروف بصردر كتب إليه من واسط لما تقلد الوزارة قصيدته المشهورة أولها : .
لجاجة قلب ما يفيق غرورها ... وحاجة نفس ليس يقضي يسيرها .
وقفنا صفوفاً في الديار كأنها ... صحائف ملقاة ونحن سطورها .
منها : .
ووالله ما أدري غداة نظرننا ... أتلك سهام أم كؤوس تديرها .
فإن كن من نبل فاين حفيفها ... وإن كن من حمر فأين سرورها .
منها : .
أراك الحمى قل لي بأي وسيلة ... توسلت حتى قبلتك ثغورها .
منها في مديحه : .
أعدت إلى جسم الوزارة روحه ... وما كان يرجى بعثها ونشورها .
أقامت زماناً عند غيرك طامثاً ... وهذا الزمان قرؤها وطهورها .
قلت القرء من الاضداد يصدق على الحيضة والطهر ولهذا وقع الخلاف فيه بين الأيمة وهو هنا محمول على الطهر ولا يجوز حمله على الحيض لفساد المعنى وجاز العطف لتغاير اللفظين رجع .
إذا ملك الحسناء من ليس أهلها ... أشار عليه بالطلاق مشيرها .
ولما عزل الخليفة من الوزارة وأعاده إليها نظم فيه ابن صردر القصيدة المشهورة وأولها : .
قد رجع الحق إلى نصابه ... وأنت من دون الورى أولى به .
ما كنت إلا السيف سلته يد ... ثم أعادته إلى قرابه .
منها : .
تيقنوا لما رأوها ضيعة ... أن ليس للجو سوى عقابه .
أن الهلال يرتجي طلوعه ... بعد السرار ليلة احتجابه .
والشمس لا يؤيس من طلوعها ... وإن طواها الليل في جنابه .
كتب أبو اسحاق الصابيء لما أعيد الوزير بهاء الدولة سابور عن الوزارة وأعيد إليها : .
القوم كنت طلقت الوزارة بعد ما ... زلت بها قدم وساء صنيعها .
فغدت بغايرك تستحل ضرورة ... كيما يحل إلى ثراك رجوعها .
فالآن قد عادت وآلت حلفة ... أن لا تبيت سواك وهو ضجيعها .
ولما أعيد عميد الدولة ولد فخر الدولة ابن جهير إلى الوزارة بعد عزله وكان قد تزوج أولاً ببنت الوزير نظام الملك وهي زبيدة ابنة الحسن نظم ابن الهبارية فيه قوله : .
قل للوزير ولا تفزعك هيبته ... وإن تعاظم واستعلى بمنصبه .
لولا ابنة الشيخ ما استوزرت ثانية ... فاشكر حراً صرت مولانا الوزير به .
وفي الوزير فخر الدولة ابن جهير نظم ابن صردر الأبيات المشهورة وهي : .
يا قالة الشعر قد نصحتكم ... وليس أذهى إلا من النصح .
قد ذهب الدهر بالكرام وفي ... ذاك أمور طويلة الشرح .
وأنتم تمدحون بالحسن وال ... ظرف وجوهاً في غاية القبح .
وتطلبون السماح من رجل ... قد طبعت نفسه على الشح .
من أجل ذا تحرمون كدكم ... لأنكم تكذبون في المدح