أبو العيناء محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر اليمامي الهاشمي مولى المنصور البصري الأخباري أبو العيناء . مولده سنة إحدى وتسعين ومائة . وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين وكان قبل العمى أحول .
قال ياقوت : قرأت في تاريخ دمشق قرأت على زاهر بن طاهر عن أبي بكر البيهقي : حدثنا أبو عبد الله الحافظ : سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الأموي يقول : سمعت إسماعيل بن محمد النحوي يقول : سمعت أبا العيناء يقول : أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك وأدخلناه على الشيوخ ببغداد فقبلوه إلا ابن شيبة العلوي قال : لا يشبه آخر هذا الحديث أوله فأبى أن يقبله وكان أبو العيناء يحدث بهذا بعدما كان .
وكان جد أبي العيناء الأكبر لقي علي بن أبي طالب فأساء المخاطبة بينه وبينه فدعا عليه علي بالعمى له ولولده من بعده فكل من عمي من ولد أبي العيناء فهو صحيح النسب فيهم .
وقال المبرد : إنما صار أبو العيناء أعمى بعد أن نيف على الأربعين وخرج من البصرة واعتلت عيناه فرمي فيهما بما رمي والدليل على ذلك قول أبي علي البصير فيه : .
قد كنت خفت يد الزما ... ن عليك إذ ذهب البصر .
لم أدر أنك بالعمى ... تغنى ويفتقر البشر .
وقال أحمد بن أبي دؤاد : ما أشد ما أصابك من ذهاب بصرك ؟ قال : أبدأ بالسلام وكنت أحب أن أكون أنا المبتدئ وأحدث من لا يقبل على حديثي ولو رأيته لم أقبل عليه فقال له ابن أبي دؤاد : أما من بدأك بالسلام فقد كافأته بجميل نيتك له ومن أعرض عن حديثك فما أكسب نفسه من سوء الأدب أكثر مما نالك من سوء الاستمالة فأنشد أبو العيناء : .
أن يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي لساني وسمعي منهما نور .
قلبٌ ذكيٌ وعقلٌ غير ذي دخلٍ ... وفي فمي صارمٌ كالسيف مأثور .
قال المتوكل : أشتهي أن أنادم أبا العيناء إلا أنه ضرير فقال أبو العيناء : أن أعفاني أمير المؤمنين من رؤية الأهلة ونقش الخواتيم فإني أصلح .
وخاصم يوماً علوياً فقال له العلوي : أتخاصمني وأنت تقول في صلاتك اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فقال له : لكني أقول الطيبين الطاهرين فتخرج أنت منهم .
وصار يوماً إلى باب صاعد بن مخلد فاستأذن عليه فقيل : هو مشغول بالصلاة ثم استأذن بعد ساعة فقيل له كذلك فقال : لكل جديد لذة وقد كان قبل الوزارة نصرانياً .
ومر بباب عبد الله بن منصور وكان مريضاً وقد صلح فقال لغلامه : كيف خبر مولاك ؟ فقال : كما تحب . فقال : ما لي لا أسمع الصراخ عليه .
ولقيه بعض أصحابه في السحر فجعل صاحبه يعجب من بكوره فقال أبو العيناء : أراك تشركني في الفعل وتفردني بالعجب .
وقال له المتوكل : أرأيت طالبياً ضريراً فيما تقدم وإنما سألتك عما سلف فقال : نعم رأيت منهم واحداً ببغداد منذ ثلاثين سنة فقال : نجده كان مؤاجراً ونجدك كنت قواداً عليه فقال : يا أمير المؤمنين ما بلغ هذا من فراغي أدع موالي مع كثرتهم وأقود على الغرباء ؟ فقال المتوكل : أردت أن أشتفي منهم فاشتفى لهم مني .
واجتمع أبو هفان وأبو العيناء على مائدة فقال أبو هفان : هذه أشد حراً من مكانك في لظى فقال أبو العيناء بردها بشيء من شعرك .
وقال له المنتصر بن المتوكل : يا أبا العيناء ما أحسن الجواب ؟ فقال : ما أسكت المبطل وحير المحق فقال : أحسنت والله .
ودخل على ابن منازة الكاتب وعنده ابن المرزبان فأراد العبث به ابن المرزبان فقال له ابن منازة : لا تفعل ! .
فلم يقبل فلما جلس قال له : يا أبا العيناء لم لبست جباعة ؟ فقال : وما الجباعة ؟ قال : التي ليست بجبة ولا دراعة فقال أبو العيناء : ولم أنت صفد ؟ ثم قال : وما الصفد ؟ ثم قال : الذي ليس بصفعان ولا نديم فوجم لذلك وضحك أهل المجلس .
وقال : عشقتني امرأة بالبصرة من غير أن تراني وإنما كانت تسمع كلامي وعذوبته فلما رأتني استقبحتني وقالت : قبحه الله ! .
هذا هو ؟ فكتبت إليها : .
ونبئتها لما رأتني تنكرت ... وقالت ذميمٌ أحولٌ ما له جسم .
فإن تنكري مني احولالاً فإني ... أديبٌ أريبٌ لاعييّ ولا فدم .
فوقعت في الرقعة : يا عاض بظر أمه ! .
ألديوان الرسائل أريدك أم لنفسي ؟ وقال جحظة : أنشدنا أبو العيناء لنفسه : .
حمدت إلهي غذ منيت بحبها ... على حولٍ يغني عن النظر الشزر .
نظرت إليها والرقيب يظنني ... نظرت إليه فاسترحت من العذر