القاضي ابن العديم بسعادتك محمد بن عبد الملك بن أحمد بن هبة الله ابن أحمد بن يحيى بن زهير بن أبي جرادة أبو المكارم العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم من بيت العلم والقضاء والحشمة . كان كاتباً شاعراً فاضلاً . قال الكندي : كان يسمع معنا فورد دمشق ودعاه ابن القلانسي وكنت حاضراً وكان لا يسأله عن شيء فيخبره عنه إلا قال : بسعادتك إلى أن قال : ما فعل فلان ؟ قال : مات بسعادتك أو قال : ما فعلت الدار الفلانية ؟ قال : خربت بسعادتك فلقبناه القاضي بسعادتك . توفي سنة خمس وستين وخمس مائة . ومن شعره : .
لئن تناءيتم عني ولم يركم ... شخصي فأنتم بقلبي بعد سكان .
لم أخل منكم ولم أسعد بقربكم ... فهل سمعتم بوصلٍ فيه هجران .
ومنه قوله : .
لئن بعدت أجسامنا عن ديارنا ... فإن بها الأرواح في غيشةٍ رغد .
وليس بقاء المرء في دار غربةٍ ... مضراً إذا ما كان في طلب المجد .
قلت : شعر متوسط .
ابن المقدم محمد بن عبد الملك بن المقدم الأمير شمس الدين من كبار أمراء الدولتين نور الدين وصلاح الدين . وهو الذي سلم سنجار إلى نور الدين وسكن دمشق ولما توفي نور الدين كان أحد من قام بسلطنة ولده ثم إن صلاح الدين أعطاه بعلبك ثم عصا عليه فجاء إليه وحاصره ثم أعطاه بعض القلاع عوضاً عنها ثم استنابه على دمشق وكان بطلاً شجاعاً حضر وقعة حطين وعكا والقدس والسواحل وتوجه إلى الحج فلما بلغ عرفات ضرب الكوسالت ورفع علم صلاح الدين وكان أمير الركب العراقي طاشتكين فأنكر ذلك عليه واقتتلوا فجاءه سهم في عينه فخر صريعاًً فحمله طاشتكين وخيط جراحه فتوفي من الغد بمنى سنة أربع وثمانين وخمس مائة ولما بلغ السلطان بكى وتأسف . وله دار كبيرة بدمشق إلى جانب المدرسة المقدمية ثم صارت لصاحب حماة ثم صارت لقراسنقر المنصوري ثم لسلطان الملك الناصر وله تربة ومسجد وخان كل ذلك مشهور جوا باب الفراديس بدمشق .
ابن زهر الطبيب محمد بن عبد الملك بن زهر بن عبد الملك بن محمد ابن مروان بن زهر أبو بكر الإيادي الإشبيلي . أخذ علم الطب عن جده أبي العلاء وعن أبيه وانفرد بالإمامة في الطب في زمانه مع الحظ الوافر من اللغة والأدب والشعر والحظوة عند الملوك وكان سمحاً جواداً ممدحاً وهاتان أعجوبتان مغربي طبيب كريم وكان جواداً نفاعاً بماله وجاهه أخذ عنه الأستاذ أبو علي الشلوبين وأبو الخطاب ابن دحية وكان يحفظ صحيح البخاري متناً وإسناداً ويحفظ شعر ذي الرمة وهو ثلث اللغة وكان يجر قوساً سبعة وثلاثين رطلاً . وتوفي في مراكش وقد قارب السبعين سنة خمس وتسعين وخمس مائة . قال ابن دحية : كان يحفظ شعر ذي الرمة وهو ثلث لغة العرب ومولده سنة سبع وخمس مائة انتهى . ومن شعره يتشوق ولداً صغيراً : .
ولي واحدٌ مثل فرخ القطا ... صغيرٌ تخلف قلبي لديه .
تشوقني وتشوقته ... فيبكي علي وأبكي عليه .
نأت عنه داري فيا وحشتا ... لذاك القديد وذاك الوجيه .
وقد تعب الشوق ما بيننا ... فمنه إلي ومني إليه .
أوصى أن يكتب على قبره : .
تأمل بحقك يا واقفاً ... ولاحظ مكاناً دفعنا إليه .
تراب الضريح على وجنتي ... كأني لم أمشي يوماً عليه .
أداوي الأنام حذار الحمام ... وها أنا قد صرت رهباً لديه .
وقال في كتاب حيلة البرء لجالينوس : .
حيلة البرء صنفت لعليلٍ ... يترجى الحياة أو لعليله .
فإذا جاءت المنية قالت ... حيلة البرء : ليس في البرء حيله .
ولابن زهر من موشحات المغاربة جملة ومن موشحات ابن زهر قوله : أيها الساقي إليك المشتكى قد دعوناك وإن لم تسمع ونديمٍ همت في غرته وشربت الراح من راحته كلما استيقظ من سكرته جذب الزق إليه واتكا وسقاني أربعاً في أربع غصن بانٍ مال من حيث استوى بات من يهواه من فرط الجوى خافق الأحشاء موهون القوى كلما فكر في البين بكى ما له يبكي لما لم يقع ليس لي صبرٌ ولا لي جلد يا لقومي عذلوا واجتهدوا أنكروا شكواي مما أجد مثل حالي حقه أن يشتكى كمد اليأس وذل الطمع يا لعيني عشيت بالنظر أنكرت بعدك ضوء القمر وإذا ما شئت فاسمع خبري