ومده بالشعر جماعة من رجال الصحابة ونسائهم جمعهم الشيخ الإمام الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس اليعمري في قصيدة ميمية ثم شرحها في مجلدة سماها منح المدح ورتبهم على حروف المعجم فأربى في هذا الجمع على الحافظ ابن عبد البر لأنه ذكر منهم ما يقارب المائة والعشرين أو ما يزيد على ذلك والشيخ فتح الدين قارب بهم المائتين ولا أعلم أحداً حصل من الصحابة الذين مدحوا النبي A هذا القدر وقد كتبت هذا المصنف بخطى وسمعت من لفظه ما يقارب نصفه وأجازني البقية وأما شعراؤه الذين كانوا بصدد المناضلة عنه والهجاء لكفار قريش فإنهم ثلاثة حسان بن ثابت الأنصاري وعبد الله بن رواحة الأنصاري وكعب بن مالك الأنصاري وكان حسان يقبل بالهجو على أنسابهم وعبد الله بن رواحة يعتريهم بالكفر وكعب بن مالك يخوفهم الحرب فكانوا لا يبالون قبل الإسلام بأهاجي ابن رواحة ويألمون من أهاجي حسان فلما دخل من دخل منهم الإسلام وجد ألم أهاجي ابن رواحة أشد وأشق ومن أشهر الصحابة بالمدح له كعب بن زهير بن أبي سلمى السعدي وقصيدته بانت سعاد مشهورة وما من شاعر في الغالب جاء بعده ومدح رسول الله A إلا وقد نظم في وزنها ورويها ولله القاضي محيي الدين عبد الله ابن الظاهر حيث يقول : .
لقد قال كعب في النبي قصيدة ... وقلنا عسى في مدحه نتشارك .
فإن شملتنا بالجوايز رحمة ... كرحمة كعب فهو كعب مبارك .
وقلت أنا أمدحه بقصيدة متيمنا بوجهه الأغر وكعبه المبارك راجياً أن أحشر في زمرة من مدحه فأولاه بره يوم القيامة ومنحه وهي : .
سلوا الدموع فإن الصب مشغول ... ولا تملوا ففي املائها طول .
واستخبروا صادحات الأيك عن شجني ... هل في الغرام الذي تبديه تبديل .
وهل لما ضمت الأحشاء بعدكم ... من الجوى عند ما تحويه تحويل .
احتبتي لا وعيش مر لي بكم ... وربع لهوى باللذات مأهول .
ما كان لي مذ عرفت الوجد قط ولا ... يكون في غيركم قصد ولا سول .
هيهات ما راق طرفي غير حسنكم ... لأنه بسويداء القلب مجبول .
وحقكم إن عذري في محبتكم ... عند العواذل بعد اليوم مقبول .
ما لي أنين لتقضوا أن لي رمقاً ... هذا دليل على أن ليس مدلول .
فليت جسمي إذ أبلاه حبكم ... لم تبق من سقمي عندي عقابيل .
عقدتم هدب أجفاني بحاجبها ... فلم أنم ونطاق الدمع محلول .
هبوا من الغمض ما ألفى الخيال به ... إذا سرى فلقاء الطيف تخييل .
وخفقوا إن أردتم من ضني جسدي ... أو لا فما أحد عن ذاك مسؤل .
أن تحكموا لي بأن أبكي على أرقي ... فإن هذا على عيني محمول .
يا برق لا تتشبه لي بمبسمهم ... فما ابتسمت بثغر يخجل اللولو .
وليت ثغرك فيه منهم شنب ... وليت قطرك مثل الريق معسول .
ويا نسيم الصبا برد لظى كبدي ... فإن ذيلك بالانداء مبلول .
واحمل رسايل أشواقي لطيبة لا ... زالت تحث لها النجب المراسيل .
سلم على ربعها المحروس أن لها ... مجداً له برسول الله تأثيل .
محمد خير مبعوث لأمته ... في الحشر والنشر تقديم وتفضيل .
ساد قريش به الأعراب قاطية ... فكم لها منه تنويه وتنول .
اسمه وفرع معاليهم إذا فخروا ... به على هامة الجوزاء مهدول .
وكان يدعى نبياً حيث آدم لم ... يكن له قبل خلق الطين تشكيل .
والبيت صار حمى إذ كان مظهره ... فكل من رامه بالسوء مخذول .
فصان ساحته من كيد أبرهة ... لما أتاه وفي أصحابه الفيل .
بادوا بأحجار سخبيل وما رجعوا ... لما رمتهم بها الطير الأبابيل .
وما شكت أمه من حمله الما ... وكيف وهو بلطف الله محمول