فإنها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلاً ولا كرما .
ثم إن الخوارزمي فارق ابن عباد فلما وقف عليهما قال بعد أن بلغ الصاحب موته : .
أقول لركب من خراسان أقبلوا ... أمات خوارزميكم قيل لي نعم .
فقلت اكتبوا بالجص من فوق قبره ... ألا لعن الرحمن من يكفر النعم .
قال ابن خلطان : ووقفت في معجم الشعراء لابن المرزبان ووجدت في ترجمة أبي القسم الأعمى واسمه معاوية بن سفين يهجو الحسن بن سهل وكان يؤدب أولاده : .
لا تحمدن حسناً في الجود إن مطرت ... كفاه غزراً ولا تذممه إن زرما .
فليس يمنع إبقاء على نشب ... ولا يجود لفضل الحمد مغتنما .
لكنها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما .
والله أعلم بذلك انتهى قلت : هذان البيتان أشد تعلقاً بالبيت الثالث في التوطية له فمعوية بن سفين المذكور أحق بالشعر من الخوارزمي وقد اشتهر بالبيت الثالث بين الأدباء واستعملوه مقلوباً فقال القايل من أبيات سينية : .
يعطي ويمنع لا بخلاً لا كرماً ... لكنها خطرات من وساوسه .
وهذا النوع من أحسن الشعر وأدله عل جودة قريحه الناظم وقد سمى مثل هذا أرباب البلاغة التصريع الموجه أي في أول القصيدة كقول ابن حجاج : .
من شروط الصبوح والمهرجان ... خفة الشرب مع خلو المكان .
فإنه يمكن قلب الصدر عجزاً وقلب العجز صدراً وقد ذكرت من هذا النوع جملة في كتابي الذي سميته نصرة الثاير على الفلك الداير والظاهر أن الهوارزمي المذكور كان فيه ملل واستحالة لأن أبا سعيد أحمد بن شهيب الخوارزمي قال فيه : .
أبو بكر له أدب وفضل ... ولكن لا يدوم على الوفاء .
مودته إذا دامت لخل ... فمن وقت الصباح إلى المساء .
وقد أقام الخوارزمي بالشام مدة وسكن حلب وتوفي بنيسابور سنة ثلاث وثمانين وثلث ماية وقال الخوارزمي : .
رأيتك إن أيسرت خيمت عندنا ... مقيماً وإن أعسرت زرت لمالما .
فما أنت إلا البدر إن قل ضوءه ... أغب وإن زاد الضياء أقاما .
أخذه مؤيد الدين الطغرائي فقال : .
سأحجب عني أسرتي عند عسرتي ... وأبرز فيهم أن أصبت ثراء .
ولي أسوة بالبدر ينفق نوره ... فيخفى إلى أن يستجد ضياء .
وقال الخوارزمي : .
يا من يحاول صرف الراح يشربها ... ولا يفك لما يلقاه قرطاسا .
الكأس والكيس لم يقض امتلاؤهما ففرغ الكيس حتى تملأ الكأسا وقال : ولقد ذكرتك والنجوم كأنها در على أرض من الفيروزج .
يلمعن من خلل السحاب كأنها ... شرر تطاير من دخان العرفج .
والأفق أحلك من خواطر كاسب ... بالشعر يستجدي اللئام ويرتجي .
وقال في السلحفاة : .
بنت قفر بدت لنا من بعيد ... مثلما قد كوى البخاري سفره .
رأسها رأس حية وقراها ... ظهر ترس وجلدها جلد صخره .
مثل فهر العطار دق به العط ... ر فحلت طرايف الطيب ظهره .
أو كما قد قلبت جفنة شرب ... نقشوها بحمرة وبصفره .
يقطع الخوف رأسها فإذا ما ... أمنت قر رأسها مستقره .
وقال : .
ولي قميص رقيق ... يقده الأوهام .
وجبة لا تساوي ... تصحيفها والسلام .
أخذه ابن الخياط الدمشقي فقال : .
أسوم الجباب فلا خزها ... أطيق ابتياعاً ولا صوفها .
وكيف السبيل إلى جبة ... لمن ليس يملك تصحيفها .
وذكر أبو إسحق إبراهيم بن علي الحصري في كتاب النورين قال : كان أبو بكر الخوارزمي رافضياً غاليا وفي مرتبة الكفر عاليا أخبرني من رآه بنيسابور وقد كظه الشاب فطلب فقاعا فلم يجده فقال لعن بما قال : .
إذا اعوز الفقاع لما طلبته ... هجوت عتيقاً والدلام ونعثلا .
فإذا كان يهتتف بهذه الجملة بغير علة فكيف به مع تفريغ العلل وتوسيع الأمل ممن يطابقه على كفره ويوافقه على شره وقال ياقوت : قرأت في آخر ديوانه له : .
بآمل مولدي وبني جرير ... فأخوالي ويحكي المرء خاله .
فها أنا رافضي عن تراث ... وغيري رافضي عن كلاله