ثم أدرك أبا جعفر وترك الكوفة قيل له يوماً : تعلّمت الحساب ؟ قال : نعم ولم يُشكل عليّ منه شيء قيل له : فاقسِم أربعة دراهم على ثلاثة أنفُس فقال : لكلّ رجل منهما درهمان وليس للثالث شيء وأراد المهدي أن يعبث به فدعا بالنطع والسيف فلما أُقعِدَ في النطع وقام السيّاف على رأسه وهزّ السيف رفع إليه رأسه وقال : انظر لا تُصيب محاجمي بالسيف فإني قد احتجمت فضحك المهدي وأجازه . وماتت لأبيه جارية حبشية فبعث به إلى السوق ليشتري لها كفناً فأبطأ عليه حتى أنفذ غيره وحملت جنازتها فجاء جحى وقد حملت فجعل يعدوا إلى المقابر ويقول : هل رأيتم جنازة جارية حبشية وكفنها معي . وجمَحت به بغلته يوماً فأخذت به في غير الطريق الذي أراده فلقيه صديق له فقال : أين عزمت يا أبا الغصن ؟ فقال : في حاجة للبغلة . وحمل مرة جرّةً خضراء إلى السوق يبيعها فقيل له : إنها مثقوبة فقال : لا إنها كان فيها لأمي وما سال منه شيء . وأعطاه أبوه درهماً يَزِنه فطرحه في الكفّة وطرح في الكفّة الأخرى صنجة درهمين فلم يستويا فطرح على الدرهمين حبتين ثم قال لأبيه : ليس فيه شيء وينقص حبتين . ورُوي يوماً في السوق وهو يقول : مرّت بكم جارية لمخضوب اللحية . ونظر يوماً إلى رجل مقيد وهو مغتّم فقال : ما غمّك إذا نُزِع عنك ؟ فثمنه فيه ولبسه ربح . وماتت خالته فقالوا : اذهب واشتر لها حَنوطا ! .
فقال : أخشى أن لا ألحق الجنازة . وتبخر يوماً فاحترقت ثيابه . فقال : واللهِ لا تبخرتُ إلا عُرياناً . ولما قدم أبو مسلم العراق قال ليقطين بن موسى : أحبي أن أرى جحى فوجّه يقطين إليه وقال له : تهيأ لتدخل غداً على أبي مسلم فإذا دخلتَ فسلِّم وإياك أن تتعلق بشيء فإني أخاف منه عليك فلما أُدخل من الغد على أبي مسلم نظر وإذا يقطين إلى جانب أبي مسلم فسلّم ثم قال : يا يقطين أيّكما أبو مسلم ؟ فضحك أبو مسلم حتى وضع يده على فيه ولم يُر قبل ذلك ضاحكاً وأراد الخروج إلى ضيعة فقيل له : أحسن الله صحابتك فقال : الموضع أقرب من ذلك . وعجن في منزله فطلبوا منه خَطباً فقال : إن لم يكن خَطبٌ فاخبِزوه فطيراً . ولما حذق في الكتابة والحساب بعث به المعلّم مع الصبيان إلى أبيه فقال له أبوه : وكيف صار فيها دانقان ؟ فقال : يكون فيها درهم ثقيل . وأكل يوماً مع أناسٍ رؤوساً فلما فرغ قال : أطعمكم الله من رؤوس أهل الجنة . وضرط أبوه يوماً فقال جحى : على أيري فقال أبوه : ما هذا ؟ فقال : حسِبتُك أمي . وماتت أمه فجعل يبكي ويقول رحمكِ الله فلقد كان بابكِ مفتوحاً ومتاعك مبذولاً . ودخل يوماً إلى البيت فرأى جارية أبيه نائمة فركب على صدرها وراودها فانتبهت وقالت : من فقال : اسكتي أنا أبي . واجتاز يوماً بقومٍ وفي كمه خوخ فقال : من أخبرني بما في كمي فله أكبر خوخة في كمي فقالوا : خوخ فقال : ما أخبركم بذلك إلا من أمه زانية . وقال له أبوه يوماً : احمل هذا الحَبّ وقيّره فذهب به وقيره من خارج فقال أبوه : ما هذا أسخن الله عينك أرأيتَ من فيّر حُباً من خارج ؟ فقال : اقلِبه مثل الخُف وقد صار القِير من داخل . وبات ليلة مع صبيان فجعلوا يفسون فقال لأمرأته : هذا والله بلية قالت : دعهم يفسون فإنه ادفاء لهم فقام وخَرِىء وسط البيت وقال : أنبهي الصبيان حتى يصطلوا بهذه النار . وقيل له يوماً : ما لوجهك مستطيلاً ؟ قال : وُلدتُ في الصيف ولولا أن الشتاءَ أدركه لسال وجهي وأخذ بوله في قارورة ومضى به إلى الطبيب وقال : إني أريد أن أنقطع إلى بعض الملوك فانظر هل اُصيبُ منه خيراً ؟ وماتت له ابنة فذهب ليشتري كفناً فلما بلغ البزازين رجع مسرعاً وقال : لا تحملوها حتى أجيء أنا . ومر بالميدان فرأى قصراً مشرفاً فوقف ينظر ويتوسمه طويلاً ثم قال : أتوهّم أني رأيته في محلة بني فلان . وخرج يوماً بقُمقُم يستقي فيه من ماء النهر فسقط من يده وغرق فقعد على شاطىء النهر فمرّ به صاحب له فقال : ما يقعدك ههنا ؟ فقال : غرق لي هنا قُمقُم وأنا أنتظر أنه ينتفخ ويطفو . واشترى يوماً نقانق فانقض عليه عُقاب فاختطفه فقال له : يا مسكين من أين لك جَرذَق يأكله به ؟ وركب يوماً حماراً وعقد ذنَبه فقالوا له : لِمَ فعلت هذا ؟ فقال : لأنه يقدّم سَرجَه .
نوروز .
النُّوَين نائب غازان