فقال الحي لأبيه : احجج به إلى مكة وادع الله له فلعله أن يخلصه فحج به .
فلما صار بمنى سمع صارخاً بالليل يصيح : يا ليلى فصرخ صرخة كادت نفسه تتلف وخر مغشياً عليه .
ولم يزل كذلك حتى أصبح ثم أفاق حائل اللون ذاهلاً وأنشأ يقول : .
عرضت على قلبي العزاء فقال لي ... من الآن فايأس لا أعزك من صبر .
إذا بان من تهوى وأصبح نائباً ... فلا شيء أجدى من حلولك في القبر .
وداعٍ دعا بالخيف غذ نحن من منىً ... فهيج أحزان الفؤاد وما يدري .
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلي طائراً كان في صدري .
دعا باسم ليلى ضلل الله بغيه ... وليلى بأرضٍ عنه نازحةٍ قفر .
قال العتبي : مر المجنون ذات يوم بزوج ليلى وهو جالس يصطلي في يوم بارد وقد أتى ابن عم له في حي المجنون لحاجة فوقف عليه ثم أنشأ يقول : .
بربك هل ضممت إليك ليلى ... قبيل الصبح أو قبلت فاها .
وهل رقت عليك قرون ليلى ... رفيف الأقحوانة في نداها .
فقال له : اللهم غذ حلفتني فنعم .
فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من الجمر فما فارقهما حتى سقط مغشياً عليه وسقط الجمر مع لحم راحته فقام زوج ليلى متعجباً منه مغموماً بفعله .
ون شعره : .
أيا جبلي نعمان بالله خليا ... سبيل الصبا يخلص غلي نسيمها .
أجد بردها أو تشق مني حرارة ... على كبدٍ لم يبق إلا صميمها .
فإن الصبا ريحٌ إذا ما تنسمت ... على نفس مهمومٍ تجلت همومها .
ومنه وبه سمي المجنون : .
يقول أناس عل مجنون عامرٍ ... يروم سلواً قلت : أنى لما بيا .
وقد لامني في حب ليلى أقاربي ... أخي وابن عمي وابن خالي وخاليا .
يقولون : ليلى أهل بيت عداوةٍ ... بنفسي ليلى من عدو وماليا .
ولو كان في ليلى شذى من خصومةٍ ... للويت أعناق الخصوم الملاويا .
ويحكى أنه لما قال : .
خليلي لا والله لا أملك الذي ... قضى الله في ليلى ولا ما قضى ليا .
قضاها لغيري وابتلاني بحبها ... فهلا بشيءٍ غير ليلى ابتلانيا .
فسلب عقله وبرص .
ومن شعره : .
جرى السيل فاستبكاني السيل إذ جرى ... وفاضت له من مقلتي غروب .
وما ذاك إلا حين أيقنت أنه ... يمر بوادٍ أنت منه قريب .
يكون أجاجاً دونكم فإذا انتهى ... إليكم تلقى نشركم فيطيب .
أظل غرب الدار في رض عامرٍ ... ألا كل مهجور هناك غريب .
وإن الكثيب الفرد من أيمن الحمى ... إلي وإن لم آته لحبيب .
ولا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر ... حبيباً ولم يطرب إليك حبيب .
ومنه : .
وأدنيتني حتى إذا ما سبيتني ... بقولٍ يحط العصم سهل الأباطح .
تناءيت عني حين لا لي حيلةٌ ... وخلفت ما خلفت بين الجوانح .
ومنه : .
أمزمعةٌ للبين ليلى ولم تمت ... كأنك عما قد أظلك غافل .
ستعلم إن شطت بهم غربة النوى ... وزالوا بليلى أن لبك زائل .
ومنه : .
كأن القلب ليلة قيل يغدى ... بليلى العامرية أو يراح .
قطاةٌ غرها شرك فبانت ... تجاذبه وقد علق الجناح .
ولم يزل المجنون يهيم في كل واد ويتبع الظباء ويكتب ما يقوله على الرمل ولا يأنس بالناس حتى أصبح ميتاً في واد كثير الحجارة وما دل عليه إلا رجل من بني مرة فحضر أهله وغسلوه وكفنوه واجتمع فتيان حي ليلى يبكونه أحلا بكاء ولم ير باك وباكية أكثر من ذلك اليوم وذلك في حدود السبعين للهجرة .
الحلبي الشاعر .
قيس بن إبراهيم الحلبي الشاعر : توفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة .
الألقاب .
ابن قيس الرقيات : اسمه عبيد الله بن قيس .
أبو قيس الأنصاري : هو صيفي بن الأسلت .
بنو القيسراني جماعة :