حكى بلبان الطشلاقي مملوك الصالح علي قال : ركب السلطان يعني الملك المنصور قلاوون يوماً إلى قبة النصر في جماعة من خوجداشيته الأمراء الصالحية ونزلوا هناك في صواوين خفاف نصبت لهم وأكلوا وانشرحوا ثم قام كل أمير إلى صيوانه فأتى الملك المنصور بعدة خرفان من الرمسان البداري فعرضها عليه وقلبها ثم تخير له منها خروفاً من أصحها أعضاء وفرق البقية - بعث إلى كل أمير بخروف منها وقال : ليقم كل واحد بذبح خروفه وبشويه بيده مثل ما نعمل في بلادنا وأنا في الأول .
ثم قام هو فذبح ذلك الخروف الذي اختاره وسلخه بيده وأمر بنار أوقدت ثم قام بيده شواه فلما انتهى طلب الأمراء ليأكلوا معه منه ثم أخذ هو منه الكتف الأيمن وأكل لحمه وأكلوا هم فلما أكل لحم ذلك الكتف جرده إلى أن نقاه ثم تركه قليلاً حتى جف ثم قام فجعل يلوحه على النار برفق ثم أخرجه ونظر إليه وأطال إليه التأمل ثم تفل عليه وشتمه وألقاه من يده وكان يجيد معرفة النظر في الكتف فلم يجسر أحد من الأمراء على سؤاله عما رأى فيه فدسوا عليه أميراً سماه الطشلاقي أظنه بيسري فمازحه ثم قال له : بالله يا خوند أي شيء رأيت في الكتف ؟ . فقال : والله حاشاك قال عن هذا الصبي قبجق وهذا الصبي عبد الله - عن مملوك آخر كان عنده من المكتسبين أيضاً - لا تخرجهم معك إلى الشام فهؤلاء متى صاروا في الشام عربوا وعملوا فتنة .
فأما عبد الله فتقدم موته وأما قبجق فلما صار نائب الشام هرب وجاب التتار .
وحكى والدي أن الشجاعي قال مرة وقد جاءه كتاب من قبجق : هذا قنينة دهن ورد مخبأ ليوم مشؤوم .
قلت : ولم يزل مع تقدمه في البيت المنصوري مؤخراً عند السلطان حتى مات .
فلما ملك الملك الأشرف أجل قدره ونوه به وكان من أقرب المقربين إليه وربما استشاره في بعض الأمر .
وكان رجلاً داهية . فلما قتل الأشرف وتقلبت بالناس الأمور حتى ملك العادل كتبغا لم يبق بحاشيته دأب إلا لاجين وتقصد قبجق لقص جناح لاجين حتى اتفقا وطردا كتبغا وملك لاجين وخير قبجق بين نيابة مصر والشام فاختار الشام فبعثه إليها وجاءها وهو يظن أنه مالكها .
وظهر من تعظيم لاجين هل أن كتب إليه بالجناب العالي وكان يكتب إليه المملوك واستعفى قبجق من هذا فقيل له : أنت تعرف مكانتك ونحن نعرف مكانتك .
ثم إن لاجين ولى جاغان أحد مماليكه وظيفة الشد بالشام وكان جاغان مدلاً على أستاذه فعمل الوظيفة على قواعد ضاق منها قبجق وحصر .
وصارت مراسيم قبجق ترد عليه فمنها ما يرده ومنها ما يوقفه على المشاورة فنشأت بينهما النافسة فبقي جاغان يكتب في حقه بما يغر ما بينه وبين لاجين من المودة التي أنفقوا فيها الأعمار حتى اشتد تخيل لاجين منه وبعث إلى آقوش الأفرم - وكان ابن خالة لاجين - يقول له : تجعل بالك من قبجق وتعرفنا بأخباره .
فطمع بالنيابة وكتب بما يزكي أقوال جاغان فاشتد نفار قبجق فهم بالأفرم فجاء الأفرم بالبريد بالطلب إلى مصر ورسم لجاغان بسلوك الأدب مع قبجق وأن لا يرد له أمراً ولا ينقل قدماً عن قدم إلا بأمره فأظهر قبجق الرضى واسر ما أسر .
ثم تواترت الأخبار بقصد التتار أطراف البلاد فجردت العساكر المصرية والشامية ورسم لقبجق بالخروج وأن يكون مقدماً عليهم فخرج إلى حمص وعرض يوم خروجه عرضاً ما رأى قبله مثله وخرج على قومه في زينته وعليه قباء مزركش بالذهب المرصع بالجواهر يبهر العيون وعليه كلوتة مثل ذلك وفي وسطه كاش ملبس بالذهب وعليه قطع الجوهر وكذلك كان سرج فرسه وكنبوشه ولجامه .
ونزل بحمص وخيم عليها فقال منكودمر للاجين : ما قصرت سلطنت قبجق وبعثت معه الجيوش والأمراء وقعدت أنت وحدك برقبتك وندمه ؛ وكان هذا دأب منكودمر يوحش بين لاجين مخدومه وبين كبراء الأمراء ويتقصد إبادتهم .
فشرع لاجين في العمل على إمساك من يقدر عليه منهم واغتيال من لا يقدر على إمساكه منهم وندب لهذا صلغاي بن حمدان وكان خؤوناً نماماً غربالاً للأسرار وكانوناً على المتحدثين