ويحكى أنه دخل عليه حاجبه يوماً وقال : إن بالباب رجلاً يزعم أن له سبباً يمت إليك به فقال : أدخله فدخل شاب حسن رث الهيئة فسلم فأومأ إليه بالجلوس فجلس فقال له بعد ساعة : ما حاجتك ؟ فقال : أعلمتك بها رثاثة حالي قال : نعم فما الذي تمت به ؟ قال : ولادة تقرب من ولادتك وجوار يدنو من جوارك واسم مشتق من اسمك فقال : أما الجوار فيمكن وقد يوافق الاسم الاسم ولكن من أعلمك بالولادة ؟ قال : أخبرتني أمي أنها لما ولدتني قيل لها : ولد هذه الليلة ليحيى بن خالد غلام وقد سماه الفضل فسمتني فضيلاً إكباراً لاسمك أن تلحقني به وصغرته لقصور قدري عن قدرك فتبسم الفضل وقال : كم أتى عليك من السنين ؟ قال : خمس وثلاثون سنة قال : صدقت هذا القدر أعد . قال : فما فعلت أمك ؟ قال : ماتت قاتل : فما منعك من اللحاق بنا قديماً ؟ قال : لم أرض نفسي للقائك لأنها كانت في عامية معها حداثة تقعد بي عن لحاق الملوك وعلق هذا بقلبي منذ أعوام فشغلت نفسي بما يصلح للقائك حتى رضيت عن نفسي . قال : فما تصلح له ؟ قال : للكبير من الأمر والصغير قال : يا غلام أعطه لكل سنة مضت من سنيه ألف درهم وأعطه عشرة آلاف درهم يتجمل بها إلى وقت استعماله وأعطاه مركوباً سرياً .
وكان الرشيد قد غضب على العتابي فشفع له الفضل فرضي عنه فقال : .
ما زلت في غمرات الموت مطرحاً ... يضيق عني وسيع الرأي من حيلي .
فلم تزل دائباً تسعى بلطفك لي ... حتى اختلست حياتي من يدي أجلي .
وقال فيه بعض الشعراء : .
ما لقينا من جود فضل بن يحيى ... ترك الناس كلهم شعراء .
وعابوه كونه مفرداً فقال أبو العذافر ورد القمي : .
علم المفحمين أن ينظموا الأش ... عار ومنا الباخلين السخاء .
وفي الفضل يقول مروان بن أبي حفصة : .
ألم تر أن الجود من كف آدم ... تحدر حتى صار في راحة الفضل .
إذا ما أبو العباس غامت سماؤه ... فيا لك من هطلٍ ويا لك من ويل .
وفيه يقول أيضاً : .
إذا أمّ طفلٍ راعها جوع طفلها ... غذته بذكر الفضل فاستطعم الطفل .
لحي بك الإسلام إنك عزه ... وإنك من قومٍ صغيرهم كهل .
فوصله بمائة ألف درهم ووهب له طيفور جاريته كاسية حالية وشيئاً كثيراً من العروض فقيل : حصل له سبعمائة ألف درهم . ولأبي نواس فيه مدائح كثيرة منها قوله : .
طرحتم من الترحال أمراً فغمنا ... فلو قد رحلتم صبخ الموت بعضنا .
وركب محمد بن إبراهيم الإمام دين فصار إلى الفضل ومعه حق فيه جوهر فقال له : قصرت غلاتنا وأغفل أمرنا خليفتنا وتزايدت مؤننا ولزمنا دين احتجنا لأدائه إلى ألف ألف درهم وكرهت بذل وجهي للتجار وإذالة عرضي بينهم فاطلب من شئت منهم ومره بذلك فإن معي رهناً ثقة بذلك فدعا الفضل بالحق ورأى ما فيه وختمه بخاتم محمد بن إبراهيم ثم قال له : نجح الحاجة أن تقيم في منزلنا عندنا اليوم ؛ فقال : إن في المقام علي مشقة ؛ فقال له : وما يشق عليك من ذلك ؟ إن رأيت أن تلبس شيئاً من ثيابنا دعوت به وإلا أمرت بإحضار ثياب من منزلك ؛ فأقام ونهض الفضل فدعا بوكيله وأمره بحمل المال وتسليمه إلى خادم محمد وتسليم الحق الذي فيه الجوهر إلى الغلام بخاتمه وأخذ خطه بقبض المال .
وأقام محمد عنده إلى المغرب وليس عنده شيء من الخير وانصرف إلى منزله فرأى المال وأحضره الخادم الحق فغدا على الفضل ليشكره فوجده قد سبقه بالركوب إلى دار الرشيد فانصرف إلى منزله فوجد الفضل قد وجه إليه بألف ألف درهم أخر فغدا عليه ليشكره فأعلمه أنه أنهى أمره إلى الرشيد فأمره بالتقدير له ولم يزل بما كسبه له إلى أن تقرر الأمر له على ألف ألف درهم وأنه ذكر أنه لم يصلك بمثلها قط ولا زادك على عشرين ألف دينار فشركته وسألته أن يصك بها صكاً بخطه ويجعلني الرسول فقال محمد : صدق أمير المؤمنين إنه لم يصلني قط بأكثر مما ذكر وهذا إنما تهيأ بك وعلى يدك وما أقدر على شيء أقضي به حقك ولا عن شكر ما أودي معروفك غير أن علي وعلي أيماناً مؤكدة إن وقفت بباب أحد سواك ولا سألت غيرك حاجة أبداً ولو استففن التراب فكان لا يركب إلى غير دار الخليفة ويعود إلى منزله