طاف بها في الظلام بدرُ دُجى ... حتَّى احتساها فصار شمسَ ضُحى .
مدمنُ خمرَيْنِ من يدٍ وفمٍ ... مُعتبِقاً منهما ومُصطحبا .
حَلا بأفواهنا مُقَبَّله ... وإِنَّما في عيوننا مَلُحا .
يُدير من خدِّه ومن يده ... وفيه من كلِّ واحدٍ قَدَحا .
ومنه : .
خادعته بحديثِ لِينِ قوامهِ ... فجفا وهزَّ عليَّ منه مُثْقَفا .
وهربتُ من يده إلى أجفانه ... فَرَقاً فسَلَّ عليَّ منها مُرهَفا .
أحببتُهُ مُتجنِّياً وودِدتُهُ ... مُتجنِّباً وعشقتهُ مُتعطِّفا .
فاخترتُ للجسم الضنا وجلبتُ لل ... قلب العنا ورَضيتُ للنفس الجفا .
شرف الدين بن الرَّحَبي الطبيب .
علي بن يوسف بن حيدرة الحكيم شرف الدين بن شيخ الأطبَّاء رضي الدين الرَّحَبي . ولد سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة وتوفِّي سنة سبع وستين وست مائة يوم عاشوراء . قرأ الطبَّ على والده وبرع فيه وأتقنه وصنَّف . وأخذ أيضاً عن الموفَّق عبد اللطيف وحرَّر كثيراً من العلوم عليه وقرأ العربية على السَّخاوي . ولمَّا احتُضر المهذَّب الدَّخْوار جعله مدرِّس مدرسته . وكان مُنهمكاً على علم النجوم زائغاً عن الطريق . صنف كتاب خلق الإنسان وهيئة أعضائه ومنافعها أحسن فيه ما شَاءَ . وكان يقول لتلاميذه : أموتُ إِذا اقترن الكوكبان الفلانيَّان وقولوا هذا للناس حتَّى يعرفوا مقدار علمي . ومن شعره قصيدة منها : .
سهامُ المنايا في الوَرَى ليس تُدفعُوكلٌّ له يوماً وإن عاش مصرعُ .
فقل للذي قد عاش بعد قرينه : ... إلى مثلها عمَّا قليلٍ ستُدفعُ .
فكلُّ ابن أُنثى سوف يُفضي إلى ردًى ... ويرفعه بعد الأرائك شَرْجعُ .
ويدركه يوماً وإن عاش بُرهةً ... قضاءٌ تساوى فيه هِمٌّ ومُرضَعُ .
فلا يفرحَنْ يوماً بطول حياته ... لبيبٌ فما في عيشةِ المرء مَطمعُ .
فما العيشُ إلاَّ مثل لمحةِ بارقٍ ... وما الموت إلاَّ مثلما العينُ تهجعُ .
وما الناسُ إلاَّ كالنباتِ فيابسٌ ... هشيمٌ وغضٌّ إثرَ ما باد يطلعُ .
فتبًّا لدُنيا ما تزال تَعِلُّنا ... أفاويقَ كأسٍ مُرَّةٍ ليس تنفعُ .
سحابُ أمانيها جَهامٌ وبرقُها ... إِذا شيمَ برقٌ خُلَّبٌ ليس يهمعُ .
تَغُرُّ بنيها بالمنى فتقودهم ... إلى قعر مَهْواةٍ بها المرء يوضعُ .
فكم أهلكتْ في حبِّها من مُتيَّمٍ ... ولم يحظَ منها بالمنى فَيُمتَّعُ .
تُمنِّيه بالآمال في نيلِ وصلها ... وعن غَيِّه في حبِّها ليس يرجعُ .
أضاع بها عمراً له غير راجعٍ ... ولمّا يَنلْ منها الذي يتوقَّعُ .
فصار لها عبداً لجمع حُطامها ... ولم يَهْنَ فيها بالذي كان يجمع .
وهي مائةٌ وثمانية عشر بيتاً رثى بها والده . ومنه : .
يُساقُ بنو الدنيا إلى الحتف عَنْوةً ... ولا يشعر الباقي بحالة من يمضي .
كأنهمُ الأنعام في جهلِ بعضها ... بما تمَّ من سفك الدماء على البعضِ .
ومنه : .
ليس يُجدي ذكرُ الفتى بعد موتٍ ... فاطَّرحْ ما يقولهُ السّفهاءُ .
إنَّما يُدركُ التألُّمَ والل ... ذَّةَ حيٌّ لا صخرةٌ صمّاءُ .
وسوف يأتي ذكر والده يوسف في حرف الياء مكانه وقد تقدَّم ذكر ولده جمال الدين عثمان بن علي في مكانه .
الشَّطَّنوفي .
علي بن يوسف الشَّطَّنوفي شيخ القرّاء نور الدين . توفي C تعالى في سنة ثلاث عشرة وسبع مائة . وهو بالشين المعجمة والطاء المهملة والنون والواو والفاء وياء النسبة .
التونسي .
علي بن يوسف التونسي تأدَّب بالقيروان وكان مخصوصاً ببني أبي العرب محظوظاً عندهم وفيهم عامَّة شعره . أنشد المنصور بن محمد قصيدته التي أوّلها : .
يا عذولي أكثرتَ عذلاً وعدماً ... كم ملامٍ أغرى فهوَّنَ سُقْما