أستخير الله تعالى في الإيراد والإصدار وأعتصم به من آفتي التقصير والإكثار وأستغفره فيما فرط في الجهر والإسرار وأقول : إنِّي ذاكرتُ فلاناً زيَّنه الله بالتقوى وحرسه في السّرّ والنجوى في فنونٍ من العلوم الشرعيَّة العقليَّة والنقليَّة فألفيته يرجع إلى معقول صحيح ومنقول صريح واطِّلاعٍ على المشكلات واضطلاع بحلِّ المعضلات لا سيَّما في فقه المذهب فإنَّه أصبح فيه كالعلم المُذهب وقام بعلم العربية والتفسير فصار فيهما الفاضل النحير . وقد أجبته إلى ما التمس وإن كان غنيًّا بما حصَّل واقتبس فليدرّس مذهب الإمام الشافعي Bه لطالبيه وليُجب المستفتي بقلمه وفِيه ثقةً بفضله الباهر وفطرته الوقَّادة وألمعيَّته المنقادة . والله تعالى ينفعني وإيَّاه بما علمناه ويرفعنا بذلك لديه فما القصد سواه . تمَّت .
وانتفع بالشيخ مجد الدين جماعة كبار منهم : أولاده الشيخ تقي الدين والشيخ سراج الدين موسى والشيخ تاج الدين أحمد وتلاميذه الأئمَّة : الشيخ بهاء الدين هبة الله القفطي والشيخ جلال الدين أحمد الدشناوي والشيخ محبّ الدين الطبري والشيخ ضياء الدين جعفر بن محمد بن عبد الرحيم الحسيني والنجيب بن مفلح ؛ كلُّ هؤلاء علماء فضلاء أئمَّة . ويليهم جماعة كالقاضي شمس الدين أحمد بن قدس والقاضي سراج الدين يونس الأرمنتي والقاضي نجم الدين أحمد بن ناشئ ؛ كلُّهم أيضاً فقهاء مفتون . ومن الغريب أنَّه مالكي المذهب والذين تخرَّجوا عليه شافعيَّة . قال الفاضل كمال الدين جعفر الأدفوي : لا نعرف مالكيًّا انتُفع به ذلك الانتفاع .
وكان كثير الصوم يصوم الدهر ويلازم قيام الليل ويكثر التلاوة . حكى عنه تلميذه الشيخ بهاء الدين أنَّه كان كلَّ يومٍ يختم القرآن مرتين مع شغله . وتولَّى الحكم بسيوط ومنفلوط وعمَلهما . وصنَّف تلاميذه في حياته .
قال كمال الدين : أخبرني بعض الجماعة أنه قبل موته بأيَّام تذاكر هو وأصحابه جماعةً ممن مات فلما بات تلك الليلة رأى قائلاً ينشده : .
أتَعُدُّ كثرةَ من يموت تعجُّباً ... وغداً لَعَمري سوف تحصلُ في العددْ ! .
وكان سبب تسمية جدّه دقيق العيد أنَّه كان عليه يومَ عيدٍ طيلسانٌ شديدُ البياض فقال بعضهم : كأَنَّه دقيقُ العي ؛ فلُقِّب به C تعالى .
وقال كمال الدين : حكى تلميذه البرهان المالِقي أنَّه توجَّه في خدمته إلى الأقصُر لزيارة الشيخ أبي الحجاج فقدموا وقت المساء فقال الشيخ : ما ندخل على الفقراء عشاءً فنزلوا في مكان . فلمَّا كان بعدُ ليلٌ طُرق البابُ فخرجوا فوجدوا الشيخَ أبا الحجاج فقال : رأيت النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقال : الفقيه أبو الحسن قدم قُم فسلّم عليه . وقد حكاها الشيخ عبد الغفار في كتابه .
علي بن يحيى .
علي بن يحيى بن أبي منصور المنجِّم أبو الحسن . كان أبوه يحيى من خدم الخلفاء من آل المنجِّم - وإليه يُنسبون - وأوَّل من خدم المأمون . وأمَّا ابنه أبو الحسن هذا فإنَّه نادم المتوكّل ومَن بعده إلى أيَّام المعتمد . وقد نبّهتُ على ما وهم فيه القاضي شمس الدين بن خلِّكان في ترجمة حفيد هذا وهو علي بن هارون بن علي بن يحيى . وكان أبو الحسن هذا شاعراً أخباريًّا علاّمةً منجِّماً طبَّاخاً طبيباً نديماً عارفاً بأصوات الغناء . لكنَّه كان صغير الخلقة دقيق الوجه صغير العين . توفِّي سنة خمس وسبعين ومائتين آخر أيام المعتمد