وقال المأمون يوماً : ببابي رجلان أحدهما أريد أن أضعه وهو يرفع نفسه وهو علي بن الهيثم والآخر أريد أن أرفعه وهو يضع نفسه وهو الفضل بن جعفر بن يحيى بن البرمكي . ودخل جونقا يوماً على المأمون وعنده أحمد بن الجنيد الإسكافي وجماعة من الخاصَّة فقال المأمون : يا عدوَّ الله يا فاسق يا لصّ يا خبيث ! .
سرقتَ الأموال وانتهبتها ؛ والله لأفرقنَّ بين لحمك ودمك وعظمك ولأفعلنَّ ولأفعلن . ثمَّ سكن غضبه قليلاً فقال أحمد بن الجنيد : نعم والله يا أمير المؤمنين إنَّه وإنَّه . . ! .
لم يدع شيئاً من المكروه إلاَّ قاله فيه . فقال له المأمون : يا أحمد ومتى اجترأت عليَّ بهذه الجرأة ؟ رأيتني وقد غضبت فأردت أن تزيد في غضبي ! .
أما إنِّي سأؤدّبك أدباً يتأدَّب به غيرك . يا علي بن الهيثم قد صفحت عنك ووهبت لك ما قدرت أن أطالبك به . ورفع رأسه إلى الحاجب وقال : لا يبرح ابن الجنيد الدار حتَّى يحمل لعلي بن الهيثم مائة ألف درهم ليكون له بذلك عقلٌ . فلم يبرح حتَّى حملها إلى ابن الهيثم .
وكان خالد بن أبان الأنباري أخو عبد الملك بن أبان بينه وبين ابن الهيثم حرمة أيام مُقامهما بالأنبار فاختلَّت حال خالد وضاقت وتوجَّه إلى مصر فبلغه ما وصل إليه علي بن الهيثم فكتب إليه أبياتاً بالذهب منها : .
على الخالق الباري توكَّلتُ إنه ... يدوم إِذا الدنيا أبادت قُرونَها .
فداؤكَ نفسي يا عليَّ بن هيثمٍ ... إِذا أكلَتْ عُجْفُ السنين سمينَها .
رميتُك من مصرٍ بأمٍّ قلائدي ... ترفُّ وقد أقسمتُ أن لا تُهينها .
فوجّه إليه بألف دينار وكتب إلى عامل مصر فاستعمله وحسنت حاله . وعاتبه الفضل بن الربيع يوماً على تأخّره وزاد عليه ؛ فقال جونقا : .
وَجَدَني الفضلُ رخيصاً جدًّا ... فعقَّني وازوَرَّ عنّي صَدّا .
وظنَّ والظُّنونَ قد تعَدَّى ... أنّي لا أُصيبُ منه بِدّا .
أعُدُّ منه ألفَ بِدٍّ عَدّا .
ثمَّ انصرف جونقا ولم يعمل بعدها للسلطان عملاً .
خُشكَنانجَة الكاتب .
علي بن وصيف الملقَّب بخُشكنانجة الكاتب البغداذي . كان أكثر مقامه بالرَّقَّة ثمَّ انتقل إلى الموصل . وكان من البلغاء وألّف عدة كتب ونحلها عبدان صاحب الإسماعلية . قال محمد بن إسحاق النديم : وكان لي صديقاً وأنيساً ؛ توفي بالموصل . وله من الكتب : كتاب الإفصاح والتثقيف في الخراج ورسومه .
مجد الدين بن دقيق العيد المالكي