علي بن هشام بن فرَّخُسْرَو أبو الحسن القائد المَروزي أحد قوَّاد المأمون وندمائه . كان قريباً إليه فرُفع إلى المأمون سوء سيرته في الرعيَّة وكان قد ولاّه كُوَرَ الجبال فقتل الرجال وأخذ الأموال ؛ فوجَّه المأمون إليه عُجَيف بن عنبسة فأراد أن يفتك بعجيف ويلحف ببابَك الخُرَّمي فظفر به عجيف وقدم به على المأمون فأمر بضرب عنقه فقتله علي بن الخليل ابن أخيه وذلك يوم الأربعاء في جمادى الأولى سنة سبع عشرة ومائتين وبعث برأسه إلى بغداذ وخراسان والجزيرة والشام ومصر وطيف به ثمَّ أُلقي في البحر . وكتب المأمون رقعةً على الرأس : أمَّا بعد فإنَّ أمير المؤمنين دعا علي بن هشام في من دعا أيَّام المخلوع من أهل خراسان إلى معاونته فأجاب فرعى له ذلك وولاّه الأَعمال السنيَّة ووصله بالصلات الجزيلة فبلغت أكثر من خمسين ألف ألف درهم فمدَّ يده إلى الخيانة والتضييع لما استرعاه من الأمانة فباعده عنه وأقصاه . ثمَّ استقال أمير المؤمنين فأقاله عثرتَه وولاّه الجبال وإرمينية وأذربيجان ومحاربَةَ أعداء الله الخُرَّميَّة على أن لا يعود إلى ما كان ؛ فأساء السيرة وعسف الرعيَّة وسفك الدماء المحرَّمة ؛ فوجه أمير المؤمنين إليه عجيف بن عنبسة مباشراً لأمره وداعياً إلى تلافي ما كان منه فوثب على عجيف يريد قتله فظفر به ودفعه عن نفسه . ولو تمَّ ما أراد بعجيف لكان في ذلك ما لا يُستدرك ولا يُستقال . ولكن إِذا أراد الله أمراً كان مفعولا . فلمَّا أمضى أمير المؤمنين من حُكم الله في علي بن هشام رأى أن لا يؤاخذ من خلَّف بذنبه وأجرى على من ترك من ولده وعياله ومن أصلابهم بعد مماته ما كان جارياً عليهم في حال حياته . والسلام .
وكان علي بن هشام فاضلاً شاعراً . وكان المأمون يزوره في بيته . ومن شعر علي بن هشام : .
يا موقِدَ النار يُذكيها فيجمدُها ... قُرُّ الشتاء بأرياحٍ وأمطارِ .
قم فاصطلِ النارَ من أحشايَ مُضرمةً ... بالشوقِ تغنَ بها يا مُوقد النارِ .
ويا أخا الذَّوْدِ قد طالَ الظَّماءُ بها ... ما تعرفُ الرِّيَّ من جدبٍ وإقتارِ .
رُدَّ العطاشَ على عيني ومَحجرِها ... تُرْوَ العطاشُ بدمعٍ واكفٍ جاري .
إن غاب شخصُك عن عيني فلم تَرضهُ ... فإنَّ ذكرك مقرونٌ بإضماري .
علي بن هلال .
ابن البوَّاب الكاتب .
علي بن هلال أبو الحسن الكاتب المعروف بابن البوَّاب . وكان أبوه يُعرف بالسِّتْري - بكسر السين المهملة وسكون التاء ثالثة الحروف وبعدها راء - نسبةً إلى السِّتْر لأنَّ البوَّاب يلازم الستر . هو صاحب الخطّ الفائق الذي لم يُرزق أحدٌ في الكتابة سعادته بإجماع الناس ؛ علة أنَّ الوليَّ العجمي كتب خيراً منه فيما أرى ولا يجسر أحدٌ على قول ذلك . وأوَّل من عرَّب الخط من الكوفي ابن مُقلة لكن بقي فيه تكويفٌ ما إلى أن جاء ابن البوَّاب هذا فزاده تعريباً ودوَّر حروفَه ووضع هذا الضبط على ما قيل . وقال ابن البوَّاب : ما كتبتُ يوم السبت مثلَ يوم الخميس قطّ . قلت : معنى هذا الكلام أنه يكتبُ كلَّ يوم فإذا كان يوم الجمعة استراح فلا يكتب شيئاً . وفائدة هذا الكلام أن الكتابة تقوى بالإدمان وتضعف بالترك . ويقال إنه كان يتصدَّق بالحروف : يكتب الحرف ويهبه للصعلوك فيتوجَّه به ويبيعه للكتَّاب بما يتَّفِق له من الثمن . ويقال إنه وُجد له سريرٌ ملآن مسودَّاتٍ جميعها صورة الشدَّة كذا قيل . وزعم بعض الفضلاء أنَّ خطَّه ثلاث طبقات : سفلى ووسطى وعليا . فالسفلى أول كتابته واسمه فيها : علي بن هلال - بألف بين اللامين - والوسطى أوسط كتابته واسمه فيها : علي بن هليل - بياء آخر الحروف بين اللامين - والعليا وهي آخر ما كتب واسمه فيها علي بن هلل - بحذف الألف ما بين اللامين .
وسمعتُ جماعةً من اليهود يدَّعون أنَّه كان في عصره شخصٌ من اليهود كتب العبراني طبقةً مثل ابن البوَّاب في العربي وأنَّه لم يكتب العبراني أحدٌ قبله ولا بعده مثله