علي بن محمد بن علي بن محمد نظامُ الدين أبو الحسن ابن خروف الأندلسي حضر من إشبيلية وكان إماماً في العربية محقِّقاً مدقِّقاً ماهراً مشاركاً في علم الأصول . صنَّف شرحاً لكتاب سيبويه جليلَ الفائدة حمله إلى صاحب الغرب فأعطاه ألف دينار وشرحاً للجُمل وكتاباً في الفرائض . وله ردٌّ على أبي زيد السُّهيلي وعلى جماعة في العربية . أقرأ النحو بعدة بلاد وأقام بحلب مدَّة واختلَّ عقله بأَخَرَة حتَّى مشى في الأسواق عُرياناً باديَ العورة مكشوف الرأس . وبعضهم يقول : محمد بن علي والصحيح أنَّه علي بن محمد كما أثبت هاهنا والله أعلم . وتوفِّي سنة تسع وست مائة وقيل سنة خمس وست مائة . ملكتُ ديوان ابن بابَك بخطّه في مجلَّدة واحدَةُ . وكتابته ظريفة فيها مغربيةٌ ما في غاية الصحة والفاء بواحدة والقاف باثنتين على عادة المشارقة . وكان يلقّب بضياء الدين . وقال العلاّمة أثير الدين أبو حيَّان : هو قيسيٌّ قيذافيٌّ - بقاف أولى وفاء ثانية وبينهما ياء آخر الحروف وذال معجمة وألف - قرطيٌّ . وأنشد أثير الدين له في كأس : .
أنا جسمٌ للحُميّا ... والحُميَّا ليَ روحُ .
بين أهل الظَّرفِ أغدو ... كلَّ يومٍ وأروحُ .
وقال لي أنه مدح الملك الأفضل بن الملك الناصر ومدح الظاهر بن الناصر أيضاً . انتهى . قلت : وذكرتُ هنا ما للمشدّ سيف الدين بن قِزِل وهو ما يكتب على قَفَص المَسْمُوع : .
أنا للطائر سِجنٌ ... أقتني كلَّ مَليحِ .
قُضُب البانِ ضلوعي ... وحمَامُ الأيكِ روحي .
وذكرت أيضاً ما نظمته وهو ما يكتب على قدح ساذج : .
كؤوس المُدام تحبُّ الصفا ... فكنْ لتصاويرها مُبطِلا .
ودعها سواذجَ من نقشها ... فأحسنُ ما ذُهِّبت بالطِّلا .
نقلتُ من خط شهاب الدين القوصي في معجمه قال : أنشدني لنفسه بدمشق في صبي جميل الصورة حبسه الحاكم : .
أَقاضي المسلمينَ حكمتَ حُكْماً ... أتى وجهُ الزمان بهِ عَبُوسا .
حبستَ على الدراهمِ ذا جمالٍ ... ولم تسجُنْهُ إذْ سلبَ النُّفوسا .
قال : وكتب على يدي إلى قاضي القضاة محيي الدين بن الزكي يستقيله من مشارفة البيمارستان النوري وكان بوَّابُه يسمَّى السيِّد وهو في اللغة الذئب : .
مولايَ مولايَ أجرني فقدْ ... أصبحتُ في دار الأسى والحُتوفْ .
وليس لي صبرٌ على منزلٍ ... بوَّابُهُ السيِّدُ وجَدّي خَروفْ .
قال : وأنشدني لنفسه وقد دعاه نجم الدين بن اللُّهَيْب إلى طعامه فلم يُجِبْهُ وقال : .
ابنُ اللُّهَيْبِ دعاني ... دعاءَ غيرِ نبيهِ .
إن سرتُ يوماً إليه ... فوالدي في أبيهِ .
قال : وأنشدني لنفسه فيه : .
يا ابنَ اللُّهَيْبِ جعلتَ مذهبَ مالكٍ ... يدعو الأنامَ إلى أبيكَ ومالكِ .
يبكي الهُدى مِلءَ الجفونِ وإِنَّما ... ضحكَ الفسادُ من الصلاحِ الهالكِ .
قال : وأنشدني لنفسه فيه : .
لابنِ اللُّهَيْبِ مذهبٌ ... في كلِّ غَيٍّ قد ذهبْ .
يتلو الذي يُبصرُهُ ... " تَبَّتْ يدا أبي لهبْ " .
قال : وأنشدني لنفسه ما كتبه إلى القاضي بهاء الدين بن شدَّاد في طلب فَروة خراف : .
بهاءَ الدينِ والدنيا ... ونورَ المجد والحَسَبِ .
طلبتُ مخافةَ الأنوا ... ءِ من نُعماك جلدَ أبي .
وفضلُكَ عالمٌ أنِّي ... خروفٌ بارعُ الأدبِ .
حَلَبْتُ الدهرَ أَشطُرَهُ ... وفي حَلَبٍ صفا حَلَبي .
قال : وأنشدني لنفسه في نِيل مصر : .
ما أعجبَ النيلَ ما أحلى شمائلَهُ ... في ضفَّتيهِ من الأشجارِ أدواحُ .
من جنةِ الخلدِ فيَّاضٌ على تُرَعٍ ... تهبُّ فيها هبوبَ الريحِ أرواحُ .
ليست زيادتُهُ ماءً كما زعموا ... وإنَّما هي أرزاقٌ وأرواحُ .
قال : وأنشدني لنفسه لُغزاً في باب المعمَّى : .
واشربوا كلَّ صباحٍ لبناً ... واشربوا كلَّ أصيلٍ عَسَلا .
واعكسوا ذاك إلى أعدائكم ... من قِسِيِّ النَّبل أو رُقْشِ الفلا .
قال : وأنشدني لنفسه :