فقال له عتبة أخوه : لا يسمع هذا أهل الشام فقال : دعني عنك . وكان يأخذ في الجزية من أهل كل صناعة من صناعته وعمل يده يأخذ من أهل الإبر الإبَر والمساك والخيوط والحبال ويقسمها بين الناس . وكان لا يدع في بيت المال مالاً يبيت حتى يقسمه إلا أن يغلبه شغل فيصبح إليه وهو يقول : يا دنيا لا تغريني غُرّي غيري هذا جناي وخياره فيه وكل جان يده إلى فيه . وعن مجمع التيمي أن علياً قسم ما في بيت المال بين المسلمين ثم أمر به فكنس ثم صلى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة .
وثبت عن الحسن بن علي من وجوه أنه قال : لم يترك أبي إلا ثمانماية درهم فضل من عطائه كان يعدها لخادمةٍ يشتريها لأهله . وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال : رأيت علياً خرج علينا وعليه قميص غليظ رازي إذا مد كم قميصه بلغ إلى الظفر وإذا أرسله صار إلى نصف الساعد وكان يطوف في الأسواق ومعه درة يأمرهم بتقوى الله وصدق الحديث وحسن البيع والوفاء في الكيل والميزان . وقال هرون بن إسحق : سمعت يحيى بن معين يقول : من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة ومن قال : أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعرف لعثمان سابقته وفضله فهو صاحب سنة . فذكرت له هؤلاء الذين يذكرون أبا بكر وعمر وعثمان ويسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ .
قال ابن عبد البر : وقف جماعة من أئمة أهل السنة في علي وعثمان فلم يفضل واحداً منهما على صاحبه منهم : مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان . وأما اختلاف السلف في تفضيل علي فقد ذكر ابن خيثمة في كتابه من ذلك ما فيه كفاية . وأهل السنة اليوم على تقديم أبي بكر على عمر وتقديم عمر على عثمان وتقديم عثمان على علي وعلى هذا عامة أهل الحديث من زمن أحمد بن حنبل إلا خواص من جلة الفقهاء وأئمة العلماء فإنهم على ما ذكرنا عن مالك ويحيى القطان وابن معين . وكان بنو أمية ينالون منه وينتقصونه فما زاده الله بذلك إلا سمواً وعلواً ومحبة عند العلماء .
وكان Bه رجلاً آدم شديد الأدمة ثقيل العينين عظيمهما ذا بطن أصلع ربعة إلى القصر لا يخضب . وقال أبو إسحق السبيعي : رأيت علياً أبيض الرأس واللحية وقد روي أنه ربما خضب وصفر لحيته . وبويع Bه بالخلافة يوم قتل عثمان واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار وتخلف منهم نفر لم يهجهم ولم يكرههم وسئل عنهم فقال : أولئك قوم قعدوا عن الحق ولم يقوموا مع الباطل . وتخلف عنها معاوية ومن معه من أهل الشام وكان منهم في صفين بعد الجمل ما كان تغمدهم الله برحمته وغفرانه جميعاً . ثم خرجت عليه الخوارج وكفروه وكل من معه إذ رضي التحكيم بينه وبين أهل الشام . وقالوا له : حكمت الرجال في دين الله والله يقول : " إن الحكم إلا لله " . ثم اجتمعوا وشقوا عصا الإسلام ونصبوا راية الخلاف وسفكوا الدماء وقطعوا السبيل فخرج إليهم بمن معه ورام رجعتهم فأبوا إلا القتال . فقاتلهم بالنهروان وقتلهم واستأصل جمعهم أو جمهورهم ولم ينج منهم إلا اليسير . وانتدب له من بقاياهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي فقتله وقد مر ذلك في ترجمة عبد الرحمن المذكور . وكانت قتلته ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان ضربه بسيف مسمومٍ وهو خارج إلى صلاة الصبح سنة أربعين من الهجرة . واختلف في ليلة قتله وفي سنة فقيل : لثلاث عشرة ليلة الجمعة وقيل : لثمان عشرة وقيل : أول ليلة من العشر الأواخر . وقيل : عمره سبع وخمسون سنة وقيل : ثمان وخمسون وقيل : ثلاث وستون وقيل : ابن خمس وستين وقيل : ثلاث وقيل : أربع وستون وتسعة أشهر وستة أيام وقيل : ثلاثة أيام وقيل : أربعة عشر يوماً . واختلف في موضع دفنه فقيل : في مصر الإمارة بالكوفة وقيل : في رحبة الكوفة وقيل : بنجف الحيرة وقيل : إنه وضع في صندوق وكثر عليه من الكافور وحمل على بعير يريدون به المدينة فلما كانوا ببلاد طيءٍ أضلوا البعير ليلاً فأخذته طيء ودفنوه ونحروا البعير . وقال المبرد عن محمد بن حبيب : أول من حول من قبرٍ إلى قبرٍ علي بن أبي طالب . وقالت عائشة لما بلغها قتله : لتضع العرب ما شاءت فليس لها أحد ينهاها . واختلف في ضرب ابن ملحم له هل كان في الصلاة أو قبل الدخول فيها ؟ وهل استخلف من أتم بهم الصلاة أو هو أتمها ؟ فالأكثرون على أنه استخلف جعدة بن هبيرة فصلى بهم تلك الصلاة والله أعلم