يا شيخ تقي الدين قد وليتك قضاء القضاة بالشام . وألبس تشريفه وخرج صحبة نائب الشام وكنت في خدمته في الطريق فالتقطت الفوائد وجمعت الفرائد وسهلت بسؤاله ما كان عندي من الغوامض الشدائد ووددت أن النوى لم تلق لها عصا وأن اليعملات في كل هاجرة تنفي يداها الحصى . من البسيط .
يود أن ظلام الليل دام له ... وزيد فيه سواد القلب والبصر .
وباشر القضاء بصلف زاد ومشى ما حال عن جادة الحق ولا حاد . منزه النفس عن الحطام منقاداً إلى الزهد بخطام مقبلاً على شأنه في العلم والعمل منصرفاً إلى تحصيل السعادة الأبدية فما له في غيرها أمل . ناهيك به من قاض حكمه في هذا الأقليم متصرف الأوامر وحديثه في العفة عن الأموال علالة السامر . ليس في بابه من يقول لخصم : هات ولا من يجمجم الحق أو يموه بالترهاب . ومات الأمير سيف الدين تنكز C وهو يعظمه ويختار أكبر الجوهر للثناء عليه وينظمه : من البسيط .
أثنى عليك بأني لم أخف أحداً ... يلحى عليك وماذا يزعم اللاحي .
مهذب تشرق الدنيا بطلعته ... عن أبيض مثل نصل السيف وضاح .
طلبت منه ذكر شيء من حاله ومولده وتصانيفه لأستعين بذلك على هذه الترجمة فكتب مسموعاته وأشياخه ومصنفاته ولم يكتب شيئاً من نظمه فكتبت إليه : من السريع .
مولاي يا قاضي القضاة الذي ... أبوابه من دهرنا حرز .
أفدتني ترجمة لم تزل ... بحسن أقمار الدجى تهزو .
لبست منها حلة وشيها ... أعوزه من نظمك الطرز .
فكتب الجواب : من السريع .
لله مولى فضله باهر ... من كل علم عنده كنز .
يا واحد الدهر قد علا ... منه على هام الورى الغرز .
تسألني النظم ومن لي به ... وعندي التقصير والعجز .
قبل الداعي طرساً ... قد سما نوراً ونفسا .
جمع أفانين العلوم في شبه الوشي المرقوم ما بين خط أذا رمقته العيون قالت : هذا خط ابن مقلة ونظم لا يطيق حبيب أن ينكر فضله ونثر يرى عبد الرحيم عليه طوله . صدر عمن توقل ذروة البلاغة وسنامها وامتطى غاربها وملك زمانها وكملها من كل علمٍ بأكمل نصيب ضارباً فيه بالسهم المصيب مشمراً فيه عن ساق الجد والاجتهاد متوقداً ذكاءً مع ارتياض وارتياد إلى من هو عن ذلك كله بمعزل . ومن قعد به قصوره إلى حضيض منزل يطلب منه شيئاً مما نظم . ولعمري لقد استسمن ذا ورم . ومن أين لي النظم والرسائل إلا بنغبة من المسائل على تبلد خاطر وكلال قريحة وتقسم فكر بين أمور سقيمة وصحيحة فأبى لمثلي شعر ولا شعور أو يكون لي منظوم ومنثور ! .
! .
؟ غير أني مضت لي أوقات استخفني فيها : إما محبة التشبه بأهل الأدب وإما ذهول عما يحذره العقلاء من العطب وإما حالة تعرض للنفس فتنضح بما فيها وأقول : دعها تبلغ من أمانيها . فنظمت ما يستحى من ذكره ويستحق أن يبالغ في ستره . ولكنك أنت الحبيب الذي لا يستر عنه معيب أذكر لك منه حسب ما أمرت نبذاً وأقطع لك منه فلذاً فمن ذلك في سنة ست وسبع مائة : من البسيط .
ترى الصاب وزمان اللهو يرجع لي ... أم هل يداوى عليل الأعين النجل .
أم هل يجود بوصل من يضن به ... على معنى صريع الهدب ومقل .
ومن ذلك سنة أربع عشرة يرثي الباجي من أبيات : من الطويل .
فلا تعزليه أن يبوح بوجده ... على عالم أودى بلحد مقدس .
تعطل منه كل درس ومجمع ... وأقفر منه كل ناد ومجلس .
ومات به إذ مات كل فضيلة ... وبحث وتحقيق وتصفيد مبلس .
وإعلاء دين الله إن يبد زائغ ... فيخزيه أو يهدي بعلم مؤسس .
ومن ذلك في سنة عشر : من الكامل .
أبني لا تهمل نصيحتي التي ... أوصيك واسمع من مقالي ترشد .
إحفظ كتاب الله والسنن التي ... صحت وفقه الشافعي محمد .
وتعلم النحو الذي يدني الفتى ... من كل فهم في القران مسدد .
واعلم أصول الفقه علماً محكماً ... يهديك للبحث الصحيح الأيد .
واسلك سبيل الشافعي ومالك ... وأبي حنيفة في العلوم وأحمد