علي بن ظافر بن حسين الفقيه الوزير جمال الدين أبو الحسن الأزدي المصري المالكي ابن العلامة أبي منصور . ولد سنة سبع وستين وخمس مائة وتفقه على والده وتوفي سنة ثلاث عشرة وست مائة . وقرأ الأدب وبرع فيه وقرأ على والده الأصول . وكان بارعاً في التاريخ وأخبار الملوك . وحفظ من ذلك جملة وافرة . ودرس بمدينة المالكية بمصر بعد أبيه وترسل إلى الديوان العزيز وولي وزارة الملك الأشرف . ثم انصرف عنه وقدم مصر وولي وكالة السلطنة مدة . وكان متوقد الخاطر طلق العبارة ومع تعلقه بالدنيا له ميل كثير إلى أهل الآخرة محباً لأهل الدين والصلاح . أقبل في آخر عمره على مطالعة الأحاديث النبوية وأدمن النظر فيها . وروى عنه القوصي وغيره . وله تواليف منها : الدول المنقطعة وهو كتاب مفيد جداً في بابه وبدائع البدائه والذيل عليه وأخبار الشجعان وأخبار الملوك السلجوقية وأساس السياسة ونفائس الذخيرة لابن بسام ولم يكمل ولو كمل كان ما في الأدب مثله وملكته بخطه . وكتاب التشبيهات وكتاب من أصيب وابتدأ بعلي بن أبي طالب Bه وغير ذلك .
نقلت من خط شهاب الدين القوصي في معجمه قال : أنشدني لنفسه : من البسيط .
إني لأعجب من حبي أكتمه ... جهدي وجفني بفيض الدمع يعلنه .
وكون من أنا أهواه وأعشقه ... يخرب القلب عمداً وهو مسكنه .
وأعجب الكل أمراً أن مبسمه ... من أصغر الدر جرماً وهو أثمنه .
قلت : و أنشدني لنفسه أيضاً : من الرجز .
كم من دم يوم النوى مطلول ... بين رسوم الحي والطلول .
بانو فلا جسم ولا ربع لهم ... إلا رماه البين بالنحول .
يا راحلين والفؤاد معهم ... مسابقاً في أول الرعيل .
ردوا فؤادي إنه ما باعكم ... إياه إلا طرفي الفضولي .
ورب ظبي منكم يخاف من ... سطوة عينيه أسود الغيل .
أنار منه الوجه حتى كدت أن ... أقول لولا الدين بالحلول .
ينقص بالعلة كل كامل ... في الحسن غير لحظه العليل .
وقال في بدائع البدائه : اجتمعا ليلة من ليالي رمضان بالجامع وجلسنا بعد انقضاء الصلاة للحديث وقد وفد فانوس السحور فاقترح بعض الحضور على الأديب أبي الحجاج يوسف بن علي بن الرقاب المنبوز بالنعجة أن يصنع قطعة في فانوس السحور وإنما طلب بذلك إظهار عجزه فصنع : من الطويل .
ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه ... ولكنه دون الكواكب لا يسري .
ولم أر نجماً قط قبل طلوعه ... إذا غار ينهى الصائمين عن الفطر .
فانتدبت له من بين الجماعة وقلت له : هذا التعجب لا يصح لأني والحاضرين قد رأينا نجوماً لا تدخل تحت الحصر ولا تحصى بالعدد إذا غارت نهي الصائمون عن الفطر وهي نجوم الصباح . فأسرف الجماعة بعد ذلك في تقريعة وأخذوا في تمزيق عرضه وتقطيعه فصنع أيضاً : من البسيط .
هذا لواء سحور يستضاء به ... وعسكر الشهب في الظلماء جرار .
والصائمون جميعاً يهتدون به ... لأنه علم في رأسه نار .
ولما أصبحنا سمع من كان غائباً من أصحابنا ما جرى بيننا فصنع الرشيد أبو عبد الله بن منانو C تعالى : من السريع .
أحبب بفانوس غدا صاعداً ... وضوءه دان من العين .
يقضي بفطر وبصوم معاً ... فقد حوى وصف الهلالين .
وصنع الفقيه أبو محمد القلعي : من البسيط .
وكوكب من ضرام الزند مطلعه ... تسري النجوم ولا يسري إذا رقبا .
يراقب الصبح خوفاً أن يفاجئه ... فإن بدا طالعاً في أفقه غربا .
كأنه عاشق وافى على شرف ... يرعى الحبيب فإن لاح الرقيب خبا .
ثم إني صنعت بعد ذلك : من الطويل .
ألست ترى شخص المنار وعوده ... عليه لفانوس السحور لهيب .
كحامل منظوم الأنابيب أسمر ... عليه سنان بالدماء خضيب .
ترى بين زهر الزهر منه شقيقة ... لها العود غصن والمنار كثيب .
ويبدو كخد أحمر والدجى لمى ... بدا فيه ثغر للنجوم شنيب