علي بن رضوان بن علي بن جعفر أبو الحسن المصري رئيس الأطباء للحاكم صاحب مصر . لم يكن له معلم في صناعة الطب ينسب إليه وله مصنف في أن التعلم من الكتب أوفق من المعلمين . ورد عليه ابن بطلان هذا الرأي وغيره في كتاب مفرد وذكر فصلاً في العلل التي من أجلها صار المتعلم من أفواه الرجال أفضل من المتعلم من الصحف إذا كان قبولهما واحداً وأورد عدة علل الأولى منها تجري هكذا : وصول المعاني من النسيب إلى النسيب خلاف وصولها من غير النسيب إلى النسيب . والنسب الناطق أفهم للتعليم بالنطق وهو المعلم وغير النسيب له حماد وهو الكتاب وبعد الجماد من الناطق مطيل طريق الفهم وقرب الناطق من الناطق مقرب للفهم . فالنسيب تفهيمه أقرب وأسهل من غير النسيب وهو الكتاب .
الثانية : منها النفس العلامة علامة بالفعل وصدور الفعل عنها يقال له التعليم والتعليم من المضاف . وكلما هو للشيء بالطبع أخص به مما ليس هو بالطبع . والنفس المتعلمة علامة بالقوة وقبول العلم فيها يقال له تعلم والمضافان معاً بالطبع . فالتعليم من المعلم أخص بالمتعلم من الكتاب .
الثالثة : المتعلم إذا استعجم عليه ما يفهمه المعلم من لفظه نقله إلى لفظ آخر الكتاب لا ينقل لفظ فافهم من المعلم أصلح للمتعلم من الكتاب وكلما هو بهذه الصفة فهو في اتصال العلم أصلح للمتعلم .
الرابعة : العلم موضوعة اللفظ واللفظ على ثلاثة أضرب : قريب من العقل وهو الذي صاغه العقل مثالاً لما عنده من المعاني . ومتوسط وهو المتلفظ به بالصوت وهو مثال العقل وبعيد وهو المثبت في الكتاب وهو مثال ما خرج باللفظ . فالكتاب مثال مثال مثال المعاني التي في العقل . والمثال الأول لا يقوم مقام الممثل لعوز المثل فما ظنك بمثال مثال مثال الممثل فالمثال الأول لما عند العقل أقرب في الفهم من مثال المثال . والمثال الأول هو اللفظ والثاني هو الكتاب . وإذا كان الأمر على هذا فالفهم من لفظ المعلم أسهل وأقرب من لفظ الكتاب .
الخامسة : وصول اللفظ الدال على المعنى إلى العقل يكون من جهة حاسة غريبة من اللفظ وهو البصر . لأن حاسة النسيبة للفظ هي السمع لأنه تصويت والشيء الواصل من النسيب وهو اللفظ أقرب من وصوله من الغريب وهو الكتابة . فالفهم من المعلم باللفظ أسهل من الفهم من الكتابة بالخط .
السادسة : يوجد في الكتاب أشياء تصد عن العلم وهي معدومة عند المعلم وهي التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ والغلط بزوغان البصر وقلة الخبرة بالإعراب أو عدم وجوده مع الخبرة بالإعراب أو فساد الموجود منه وإصلاح الكتاب ما لا يقرأ وقراءة ما لا يكتب ونحو التعليم ونمط الكلام ومذهب صاحب الكتاب وسقم النسخ ورداءة النقل وإدماج القارئ مواضع المقاطع وخلط مبادئ التعليم وذكر ألفاظ مصطلح عليها في تلك الصناعة وألفاظ يونانية لم يخرجها الناقل من اللغة كالثوروس وهذه كلها معوقة عن العلم . وقد استراح المتعلم من تكلفها عند قراءته على المعلم . وإذا كان الأمر على هذه الصورة فالقراءة على العلماء أفضل وأجدى من قراءة الإنسان لنفسه وهو ما أردنا بيانه . قال : وأنا آتيك ببيان سائغ أظنه مصدقاً لما عندك وهو ما قاله المفسرون في الاعتياض عن السالبة البسيطة بالموجبة المعدولة فإنهم مجمعون على أن هذا الفصل لو لم يسمعه من أرسطو تلميذاه ثامسطيوس وأوذيموس لما فهم قط من كتاب انتهى كلام ابن بطلان