علي بن الحسين بن القاسم بن منصور بن علي هو الشيخ الإمام العالم الفاضل المتبحر المفتي العلامة الأصولي الفقيه النحوي الكامل زين الدين أبو الحسن ابن الشيخ جمال الدين ابن الشيخ شمس الدين ابن الشيخ جمال الدين ابن الشيخ زين الدين شيخ العوينة الموصلي . كان هذا الشيخ زين الدين الأعلى من أهل الثروة والسعادة بالموصل فآثر الانقطاع والعزلة فأوى إلى الجبانة بباب الميدان ظاهر الموصل ولا ماء هناك إلا من آبار محفورة طول البئر خمسون ذراعاً وستون ذراعاً وأكثر وأقل . وكان الشيخ زين الدين المذكور يتوجه كل يوم إلى الشط ويملأ إبريقين ويحملهما ويجيء بهما لأجل شربه ووضوئه . فمكث على ذلك مدة وهو يقاسي مشقة لبعد المسافة . فلما كان في ليلة رأى النبي A أو الإمام علي بن أبي طالب Bه يقول له : إحفر عندك حفيرة يظهر لك الماء فلما انتبه استبعد ذلك لأن الآبار هناك بعيدة الغور . ولبث مدة فرأى تلك الرؤيا فاستبعد ذلك ولبث مدة ثم رأى تلك الرؤيا وقال : لو حفرت بعكازك طلع لك الماء . فقص ذلك على بعض أصحابه وحفر في ذلك المكان تقدير ثلاثة أذرع أو أكثر فأجرى الله تعالى له هناك عيناً وهي مشهورة هناك فمن ثم قيل له شيخ العوينة . وكان من الصلحاء الكبار .
وأما الشيخ زين الدين صاحب هذه الترجمة فإني اجتمعت به بدمشق في شهر شوال سنة خمسين وسبع مائة بالمدرسة القليجية وقد حضر متوجهاً إلى الحجاز مع بيت صاحب ماردين . فرأيته حسن الشكل نير الوجه أحمر الخدين نقي الشيب يعلوه بهاء ورونق . وسألته عن مولده فقال : بالموصل ثاني عشر شهر رجب سنة إحدى وثمانين وست مائة . قرأ القرآن في بغداد على الشيخ عبد الله الواسطي الضرير لعاصم من طريق أبي بكر وشرح الشاطبية على الشيخ شمس الدين ابن الوراق الموصلي . وحفظ الحاوي الصغير وشرحه على أقضى القضاة عز الدين أبي السعادات عبد العزيز بن عدي البلدي وشرحه أيضاً على السيد ركن الدين أيضاً . وقرأ أصول الدين والمعقولات على السيد ركن الدين أيضاً . وقرأ ألفية ابن معط على الشيخ شمس الدين المعيد المعروف بابن عائشة وقرأ اللمع أيضاً لابن جني ببغداد على مهذب الدين النحوي وعلى شمس الدين الحجري بفتح الحاء والجيم التبريزي مدرس العربية في المستنصرية . وقرأ الحساب على القاضي عز الدين المذكور آنفاً وقرأ عليه الطب أيضاً . وأجاز له جماعة منهم : الشيخ تاج الدين ابن بلدجي الحنفي وسمع عليه بعض جامع الأصول لابن الأثير وكان يرويه عن الحامض عن المصنف . وسمع أكثر شرح السنة للبغوي على الشيخ تاج الدين عبد الله بن المعافى . وأجاز له الشيخ شمس الدين ابن الوراق الموصلي الحنبلي . وقدم إلى دمشق سنة ثمان وثلاثين وسبع مائة وسمع على الشيخ جمال الدين المزي صحيح البخاري والترمذي ومسند الشافعي وأجزاء كثيرة وعلى الشيخ شمس الدين السلاوي صحيح مسلم وعلى الشيخ زين الدين عمرو بن تيمية التنوخي النسائي وعلى الشيخ شمس الدين الذهبي سنن ابن ماجة . وسمع على الشيخ شمس الدين ابن النقيب قاضي حلب بعض سنن الدارقطني وأجازه الباقي . وسمع على الشيخ علم الدين البرزالي كتاب علم الحديث لابن الصلاح وأجاز الشيخ شمس الدين محمد بن شكاره المؤدب الموصلي المقامات الحريرية .
وروى مصنفات الشيخ موفق الدين الكواشي عن الشيخ شمس الدين ابن عائشة عن السيد ركن الدين عن المصنف C تعالى . وله من التصانيف : تفسير بنج الحمد وهو خمس سور من القرآن الكريم أول كل سورة : ألحمد وشرح مختصر ابن الحاجب في مجلد وشرح البديع لابن الساعاتي الحنفي وشرح مختصر المعالمين للسيد ركن الدين وكتاب تنقيح الأفهام في جملة الكلام اختصار مقاصد السول في علم الأصول للسيد ركن الدين . ونظم الحاوي الصغير في دون الخمسة آلاف بيت وشرح المنظومة الأسعردية في الحساب شرح التسهيل لابن مالك ولم يكمل وشرح قصيدة في الفرائض للشيخ عبد الله الجزري . وله كتاب عرف العبير في عرف التعبير .
وأنشدني من لفظه لنفسه ما كتب به إلى الشيخ شمس الدين الحيالي : من الوافر .
سلام مثل أنفاس العبير ... على من حبه زاد المسير .
ونهج سبيله حرز الأماني ... ومصباح الهداية للبصير