عبد الوهاب بن فضل الله القاضي شرف الدين أبو محمد الأثير الأثيل يمين الملوك والسلاطين القرشي العمري . وتقدم ذكر نسبه إلى عمر Bه في ترجمة ابن أخيه القاضي شهاب الدين أحمد بن يحيى . مولده في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وست ماية . كان كاتباً أديباً مترسلاً . كتب المنسوب الفائق ومتع بحواسه لم يفقد منها شيئاً ولم يتغير كتابه ومات وهو جالس ينفذ بريداً إلى بعض النواحي . وتنقل إلى أن صار صاحب ديوان الإنشاء بمصر مدة طويلة وكان مخاديمه يعظمونه ويحترمونه مثل حسام الدين لاجين والملك الأشرف والملك الناصر ولدي قلاوون والأمير سيف الدين تنكز ؛ كان قليل يذكره ويجعل أفعاله قواعد يمشي الناس عليها . وكان كاملاً في فنه ما كتب عن ملوك الأتراك أحد مثله ولا عرف مقاصدهم مثله . وكان يدور في كلامه ويتحيل حتى يخرج عن ثقل الإعراب وما يلحن لأن ذلك خرج ملوك عصره ؛ رآه الملك الأشرف مرة وقد قام ومشى تلقى أميراً فلما حضر عنده ؛ قال : رأيتك قد قمت من مكانك وخطوت خطوات ! .
فقال : يا خوند ! .
كان الأمير سيف الدين بيدار النائب قد جاء وسلم علي ! .
فقال : لا تعد تقم لأحد أبداً ! .
أنت تكون قاعداً عندي وذاك واقف ! .
وحكى لي القاضي شهاب الدين ابن القيسراني ؛ قال ؛ كنت يوماً أقرأ البريد على الأمير سيف الدين تنكز فتحرك على جائر المكان طائر فالتفت إليه يسيراً ورجع إلي وقال : كنت يوماً بالمرج وشرف الدين ابن فضل الله يقرأ علي بريداً جاء من السلطان والصبيان قد رموا جلمة على عصفور فاشتغلت بالنظر إليها فبطل القراءة وأمسكني وقال : يا خوند ! .
إذا قرأت عليك كتاب السلطان إجعل بالك كله مني ويكون كلك عندي لا تشتغل بغيري أبداً ! .
وافهمه لفظة لفظة أو كما قال . وما رأى أحد ما رآه من تعظيمه في نفوس الناس . وكان في مبدأ أمره يلبس القماش الفاخر ويأكل الأطعمة المنوعة الفاخرة ويعمل السماعات المليحة ويعاشر الفضلاء مثل ابن مالك بدر الدين وغيره . ثم انسلخ من ذلك كله لما داخل الدولة وقتر على نفسه واختصر في ملبسه وانجمع عن الناس انجماعاً كلياً . وكان قد سمع في الكهولة من ابن عبد الدائم وأجاز له ابن مسلمة وغيره . ولما مات خلف نعمة طائلة .
وكان السلطان الملك الناصر قد نقله من مصر إلى الشام عوضاً عن أخيه القاضي محيي الدين لأن السلطان كان قد وعد القاضي علاء الدين الأثير لما كان معه بالكرك بالمنصب فأقام بدمشق إلى سنة سبع عشرة وسبع ماية . وتوفي C تعالى في شهر رمضان .
ورثاه القاضي شهاب الدين محمود ؛ وهو بمصر أنشدني ذلك إجازة وكتب بها إلي القاضي محيي الدين يحيي أخيه : .
لتبكي المعالي والنهى الشرف الأعلى ... وتبك الورى الإحسان والحلم والفضلا .
وتنتحب الدنيا لمن لم تجد له ... وإن جهدت في حسن أوصافه مثلا .
ومن أتعب الناي أتباع طريقه ... فكفوا وأعيتهم طريقته المثلى .
لقد أثكل الأيام حتى تجهمت ... وإن كانت الأيام لا تعرف الثكلا .
وفارق منه الدست صدراً معظماً ... رحيباً يرد الحزن تدبيره سهلا .
فكم حاط بالرأي الممالك فاكتفت ... به أن تعد الخيل للصون والرجلا .
وكم جردت أيدي العدى نصل كيدهم ... فرد إلى أعناقهم ذلك النصلا .
وكم جل خطب لا يحل انعقاده ... فاعمل فيه صائب الرأي فانحلا .
وكم جاء أمر لا يطاق هجومه ... فلما تولى أمر تدبيره ولى .
وكم كف محذوراً وكم فك عانياً ... وكم رد مكروهاً وكم قد جلا جلى .
منها : .
وقد كان للاجين ظلاً فقلصت ... يد الموت عدواً عنهم ذلك الظلا .
وعف عن الأعراض مغض عن القذى ... صبور عليه في الورى يحمل الكلا .
سأندبه دهري وأرثيه جاهداً ... وأكثر فيه من بكائي وإن قلا .
ولم لا وقد صاحبته كل مدتي ... أراه أباً براً ويعتدني نجلا .
ولم يرنا في طول مدتنا امرؤ ... فيحسبنا إلا الأقارب والأهلا .
وكم أرشدتني في الكتابة كتبه ... ولو زل عن إرشادها خاطري ضلا