أبا عاذري في فيض دمعي إذا جرى ... وإن عاذلي لم يستمع في الهوى عذري .
لقد لذ لي في الحب تعذيب مهجتي ... وما لذ لي عن ظالمي في الهوى صبري .
فيا عاذلي في عبرة قد سفحتها ... لهجر وأخرى قبلها خيفة الهجر .
رويدك قد أغريت قلبي بلوعتي ... ووكلت أجفاني بأربعة غزر .
فدعني أرو الأرض صوح نبتها ... بدمعي إذا لم يروها سب القطر .
على أنني لم تبق إلا حشاشتي ... ولم يترك مني السقام سوى ذكري .
قلت : قوله : فيا عاذلي . . البيت وما بعده . . أخذ الأول بلفظه من البحتري والثاني أيضاً بمعناه حيث يقول : .
فيا عاذلي من عبرة قد سفحتها ... لبين وأخرى قبلها للتحبب .
تحول مني شيمة غير شيمتي ... وتطلب مني مذهباً غير مذهبي .
وأورد له أيضاً : .
وكم ليلة قد جاذبت راحتي بها ... نهود العذارى قميص الدجى الوحف .
وبت يعاطيني العقار مهفهف ... هضيم الحشا مخطوفه أهيل الردف .
وأظما فأستسقي ثناياه ظلمها ... فتغني ثناياه عن القهوة الصرف .
وأعين دهري مغضيات على القذى ... وأيامه يقطعن باللهو والقص .
إلى أن نبا من بعد لين جنابه ... ففوق سهم الغدر عن وتر الصرف .
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض ... على الماء خانته الفروج من الكف .
قال ابن رشيق ؛ البيت الأخير مختلب من قول الأول : .
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض ... على الماء خانته فروج الأصابع .
غير أنه غير آخره وقد تقدم سواه إلى اختلاب هذا البيت فقال : .
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض ... على الماء لم ترجع بشيء أنامله .
وأورد له : .
ولو أن لي في كل عضو ومفصل ... لساناً فصيحاً أو بناناً مترجما .
لجاءك يستحييك أني مقصر ... على أن شكري يملأ الأرض والسما .
وأورد له : .
هواك لم يبق مني ما تفوز به ... يد السقام وهذي جملة الخبر .
كأنما أنا سر الوهم في خلد ... تديره برحاها راحة الفكر .
فاردد علي زمامي كي أقيك به ... ألا تراك حذاراً مقلتا بشر .
وتلك عندي نعمى لو مننت بها ... فسحت ما قد أضاق الشوق من عمري .
والأمر أمرك إن عطفاً وإن صلفاً ... فلا تحيلن شكواي على الضجر .
وأورد له من قصيدة مدح لها عبد الجليل بن بدر : .
ألا لا تهيجني الحمام فندبها ... قديماً بأكباد المحبين سادك .
توسدت مطوي الجناح كأنما ... لهن حشايا فوقه ودرانك .
وملن على خضر الغصون لحونها ... ولا دمع إلا من جفوني سافك .
ولا مدح إلا لابن جعفر الرضى ... وكل امرئ يطري سواه فآفك .
قلت : شعر جيد .
قاضي القضاة ابن بنت الأعز .
عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلامي . قاضي القضاة تاج الدين أبو محمد ابن بنت الأعز .
ولد سنة أربع عشر وست ماية . وتوفي سنة خمس وستين وست ماية . وقيل : ولد سنة أربه وست ماية .
روى عن جعفر الهمذاني وغيره . وكان إماماً فاضلاً متبحراً . ولي المناصب الجليلة كنظر الدواوين والوزارة والقضاء ؛ ودرس بالصالحية وبمدرسة الشافعي وتقدم في الدولة . وكانت له الحرمة الوافرة عند الظاهر بيبرس . وكان ذا ذهن ثاقب وحدس صائب وجد وسعد وعزم مع النزاهة المفرطة والصلابة في الدين وحسن الطريقة والتثبت في الأحكام وتولية الأكفاء ؛ لا يراعي أحداً ولا يداهنه ولا يقبل شهادة مريب . وكان قوي النفس يترفع على الصاحب بهاء الدين ؛ وأوهم الصاحب السلطان أن للقاضي متاجر وأموالاً وأن بعض التجار ورد وقام بما عليه ثم وجد معه ألف دينار وقال : هي وديعة للقاضي ! .
فسأله السلطان فأنكر ولم يصرح بالإنكار ؛ بل قال : الناس يقصدون التجوه بالناس وإن كانت لي فقد خرجت عنها لبيت المال ! .
فأخذت وذهبت .
وهو والد القاضي الكبير صدر الدين عمر قاضي الديار المصرية ووالد قاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن الذي وزر أيضاً ووالد القاضي العلامة علاء الدين أحمد الذي دخل اليمن والشام